وقال الجَوْهَرِيّ : الصَّبْرُ : حَبْسُ النَّفْسِ عندَ (١) الجَزَعِ ، وقد صَبَرَ فلانٌ عند المُصِيبَةِ يَصْبِرُ صَبْراً ، وصَبَرْتُه أَنا : حَبَسْتُه ، قال الله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) (٢) أَي احْبِسْ نفْسَكَ معهم.
وفي البصائر للمصنّف : الصَّبْرُ في اللُّغَةِ : الحَبْسِ والكَفُّ في ضِيق (٣) ، ومنه قيل : فُلانٌ صُبِر ، إِذا أُمْسِك وحُبِسَ للقَتْلِ ، فالصَّبْرُ : حَبْسُ النَّفْسِ عن الجَزَعِ ، وحَبْسُ الّلسَانِ عن الشَّكْوَى ، وحبْسُ الجوارِحِ عن التَّشْوِيشِ.
وقال ذُو النُّون : الصَّبْرُ : التّبَاعُدُ عن المُخَالَفاتِ ، والسُّكُونُ عندَ تَجَرُّعِ غُصصِ البَلِيّاتِ ، وإِظْهَارُ الغِنى مع طُولِ الفقْرِ بسَاحاتِ المَعِيشَةِ.
وقيل : الصَّبْرُ : الوُقُوفُ مع البَلاءِ بحُسْنِ الأَدَبِ.
وقيل : هو الفَنَاءُ في البَلْوى بلا ظُهورِ شكْوى.
وقيل : إِلْزامُ النَّفسِ الهُجُومَ على المكَارِه.
وقال عَمْرُو بنُ عثمان : هو الثَّبَاتُ مع الله ، وتَلقِّي بَلائِه بالرّحْبِ والسَّعَةِ.
وقال الخَوّاصُ : هو الثَّبَاتُ على أَحكامِ الكِتَابِ والسُّنَّة.
وقيل : الصَّبْرُ : أَنْ تَرْضَى بتَلَفِ نَفْسِكَ في رِضَا من تُحِبّه.
وقال الحَرِيرِيّ : الصَّبْرُ : أَن لا يَفْرِقَ بينَ حَالِ النَّعْمَةِ وحالِ المِحْنَةِ ، مع سكونِ الخاطِرِ فيهما.
وتَصَبَّر الرَّجُلُ واصْطَبَرَ : جعَلَ له صَبْراً ، واصَّبَرَ ، بقلبِ الطّاءِ صاداً ، ولا تقول اطَّبر ، لأَنّ الصّادَ لا تُدْغَمُ في الطَّاءِ.
وقيل : التَّصَبُّرُ : تَكَلُّفُ الصَّبْرِ ، ومنهقَولُ عُمَر : «أَفْضَلُ الصَّبْرِ التَّصَبُّرُ» ، قاله ابنُ الأَعرابيّ.
وقيل : مَراتِبُ الصَّبْرِ خَمْسَةٌ ، صابِرٌ ، ومُصْطَبِرٌ ، ومُتَصَبِّرٌ ، وصَبُورٌ ، وصَبَّارٌ.
فالصّابِرُ : أَعمُّها ، والمُصْطَبِرُ المُكْتَسِبُ للصَّبْر المُبْتَلي به. والمُتَصَبَّرُ : مُتَكَلِّفُ الصَّبْرِ حامِلُ نَفْسِه عليه.
والصَّبُورُ : العَظِيمُ الصَّبْرِ الذي صبْرُه أَشدُّ من صَبْرِ غيرِه.
والصَّبّارُ : الشَّدِيدُ الصَّبْرِ.
فهذا في القَدْرِ والكَمّ ، والذي قبله في الوصْفِ والكيْفِ.
وأَصْبرَه : أَمَرَه بالصَّبْرِ ، كصَبَّرهُ تَصْبِيراً وقال الصاغانيّ : صَبَّرْتُه تَصْبِيراً : طَلَبْتُ منه أَن يصْبِرَ.
وأَصْبَرَه : جَعَلَ له صَبْراً ، كاصْطَبَرَه.
وَصَبَرَ به ، كنَصَرَ ، يَصْبُرُ صَبْراً وصَبارَةً ، بالفَتْح فيهما ، أَي كَفَلَ به ، وتقُولُ منه : اصْبُرْنِي يا رجُل ، كانْصُرْنِي ، أَي أَعْطِنِي كَفيلاً.
وهو به صَبِيرٌ ، الصَّبِيرُ كأَمِيرٍ : الكَفِيلُ ، وقد جاءَ في حديثِ الحَسنِ : «مَنْ أَسْلَفَ سَلَفاً فلا يَأْخُذَنَّ بهِ رَهْنَاً ولا صَبِيراً».
والصَّبِيرُ ، أَيضاً. مُقَدَّمُ القَوْمِ وزَعِيمُهُم ، الذِي يَصْبرُ لهم ومَعَهُم في أُمُورِهِمْ.
والصَّبِيرُ : الجَبَلُ ، قاله الصّاغانيّ : وقيل : هو جَبَلٌ بعَيْنِه ، وقد جاءَ ذِكْرُه في حَدِيثِ مُعاذٍ.
ج : صُبَرَاءُ ككُرَماءَ.
والصَّبِيرُ : السَّحَابَة البَيْضاءُ ، أَو الكَثيفَةُ التي فَوْقَ السّحابَةِ ، أَو هو السَّحابُ الأَبيضُ الذي يصِيرُ (٤) بَعْضُه فوق بعضٍ ، درجاً ، قال يَصِفُ جَيْشاً :
ككِرْفئَةِ الغَيْثِ ذاتِ الصَّبِير
قال ابنُ بَرِّيّ : هذا الصَّدْرُ يحتمل أَن يكون صَدراً لِبَيتِ عامِرِ بنِ جُوَيْنٍ الطّائِيّ من أَبيات :
وجارِيَةٍ من بَنَاتِ المُلُو |
كِ قَعْقَعْتُ بالخَيْلِ خَلْخَالَهَا |
|
ككِرْفِئَة الغَيْثِ ذاتِ الصَّبِي |
رِ تَأْتِي السَّحاب وتَأْتَالَهَا |
قال : أَي رُبَّ جارِيةٍ من بَناتِ المُلُوكِ فَعْقَعْتُ خَلْخَالَها
__________________
(١) الصحاح : «عن الجزع».
(٢) سورة الكهف الآية ٢٨.
(٣) وفي المفردات : الصبر : الإمساك في ضيق.
(٤) الصحاح واللسان : «يصبر» وضبطت في الصحاح بالبناء للمجهول وفي اللسان بالبناء للمعلوم.