وفي الحديث : «ليس عُفْرُ اللّيَالِي كالدَّآدِي» ، أَي اللَّيَالِي المُقْمِرَة كالسُّودِ. وقِيلَ : هو مَثَلٌ. والعُفْرُ ، بالضّمّ كذا يُفْهَمُ من سِيَاقِه ـ ورأَيْتُ في كتاب ابنِ القَطَّاع : عَفُرَ ، بالضمِّ ، عَفَارَةً فهو عَفِرٌ ، بالكَسْر : شَجُعَ وجَلُد ، فليُنْظَر (١) ـ : الشُّجَاعُ الجَلْدُ. وقِيلَ : الغَلِيظُ الشَّدِيدُ ، قِيل : ومنه أَسَدٌ عَفَرْنَى ، ج أَعْفَارٌ وعِفَارٌ ، الأَخِيرُ بالكَسْر. قال :
خَلَا الجَوْفُ من أَعْفَارِ سَعْدٍ فَمَا بِهِ |
لمُسْتَصْرِخٍ يَشْكُو التُّبُولَ نَصِيرُ |
والعُفْرُ : رِمَالٌ بالبَادِيَةِ بِبِلادِ قَيْسٍ ، كذا في التَّكْمِلَةِ ، وفي المعجم : بَلَدٌ لِقَيْسٍ بالعالِيَة.
وعَفَّرَ تَعْفِيراً : خَلَطَ سُودَ غَنَمِه بعُفْر ، ومنهالحَدِيثُ : «أَنَّ امْرَأَةً شَكَتْ إِلَيْهِ قِلَّةَ نَسْلِ غَنَمِهَا وإِبلِهَا ورَسَلِهَا ، وأَنَّ مالَهَا لا يَزْكُو. فقال : ما أَلْوَانُهَا؟ قالت : سُودٌ. فقال : عَفِّرِي» أَي اخْلِطيها بغَنَمٍ عُفْرٍ ، وقيل : أَي اسْتَبْدِلي أَغْنَاماً بِيضاً ، فإِنَّ البَرَكَةَ فيها. وفي الأَساسِ : وهُذَيْلٌ مُعْفِرُون ، أَي غَنمُهم عُفْرٌ ، وليس في العَرَبِ قَبِيلَةٌ مُعْفِرَةٌ غَيْرُها.
وعَفَّرَت الوَحْشِيَّةُ وَلَدَهَا تُعَفِّرُه : قَطَعَتْ عنه الرَّضاعَ يَوْماً أَو يَوْمَيْن ثُمّ إِذا خافَتْ أَن يَضُرَّه ذلك رَدَّته إِلى الرَّضاع أَيّاماً ثمّ قَطَعَتْه عن الرَّضَاعِ إِرادَةً للفِطَامِ ، تَفْعَل ذلك مَرّاتٍ حتَّى يَسْتَمِرّ عليه وهذا هو التَّعْفِيرُ. والوَلَدُ مُعَفَّر. وحَكاهُ أَبو عُبَيْد في المَرْأَةِ والناقَة ، قال أَبو عُبَيْد : والأُمُّ تَفْعَلُ مِثْلَ ذلك بوَلَدِها الإِنْسِيّ ، وأَنشَدَ بَيْتَ لَبِيدٍ يَذْكُرُ بَقَرَةً وَحْشِيَّةً ووَلَدَهَا :
لِمْعَفَّرٍ قَهْدٍ تَنَازَعَ شِلْوَهُ |
غُبْسٌ كَوَاسِبُ ما يُمَنُّ طَعامُها |
قال الأَزهريّ : وقِيل في تَفْسِير المُعَفَّر ، في بيت لَبِيد : إِنّه وَلَدُهَا الذي افْتَرَسَهُ الذِّئابُ الغُبْسُ ، فَعفَّرَتْه في التُّرابِ ، أَي مَرَّغَتْه ، قال : وهذا عندي أَشْبَهُ بمعنَى البَيْتِ. قال الجَوْهريّ : والتَّعْفِيرُ في الفِطَام : أَنْ تَمْسَح المَرْأَةُ ثَدْيَها بشَيْءٍ من التُّراب تَنْفِيراً للصَّبِيّ.
واليَعْفُورُ (٢) : ظَبْيٌ بِلَوْنِ العَفَر ، وهو التُّرَاب ، أَو عامٌّ في الظِّبَاءِ ، وتُضَمُّ الياءُ ، والأُنْثَى يَعْفُورَةٌ. وقِيلَ : اليَعْفُورُ : الخِشْفُ (٣). قال ابنُ الأَثِير : وهو وَلَدُ البَقَرَةِ الوَحْشِيَّةِ. وقيل : تَيْسُ الظِّبَاءِ. والجمع اليَعافِيرُ ، والياءُ زائدةٌ. واليَعْفُور أَيضاً : جُزْءٌ من أَجْزاءِ اللَّيْلِ الخَمْسَة التي يُقالُ لها : سُدْفَةٌ وسُتْفَةٌ وهَجْمَةٌ ويَعْفُورٌ وخُدْرَةٌ. وقولُ طَرفة :
جازَتِ البِيدَ إِلىَ أَرْحُلِنَا |
آخِرَ اللَّيْلِ بيَعْفُورٍ خَدِرْ |
أَراد بشَخْصِ إِنسان مِثْلِ اليَعْفُورِ ، فالخَدِرُ ، على هذا ، المُتخَلِّفُ عن القَطِيع. وقيل : أَراد باليَعْفُور الجُزْءَ من أَجْزَاءِ اللَّيْل ، فالخَدِرُ ، على هذا ، المُظْلِمُ ، كذا في اللّسَان.
ويَعْفُورُ ، بلا لامٍ : حمارٌ للنَّبيّ صلىاللهعليهوسلم صارَ إِلَيْه من خَيْبَر ، قِيلَ : سُمِّيَ يَعْفُوراً لكَوْنِه من العُفْرَة ، كما يُقَال في أَخْضَر : يَخْضُور ، وقيل : سُمِّيَ به تَشْبِيهاً في عَدْوِه باليَعْفُورِ ، وهو الظَّبْيُ. وحَكَى الأَزْهَرِيُّ عن ابن الأَعْرَابِيّ. يُقَال لِلْحِمار الخَفِيفِ : فِلْوٌ. ويَعْفُورٌ وهِنْبِرٌ ، وزِهْلِقٌ.
يُرْوَى أَنّه أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلىاللهعليهوسلم بأَنَّه مِنْ نَسْلِ حِمَارِ العُزَيْرِ ، وأَنّه آخِرُ ذُرِّيَّتِه. وقد تَحَقَّق أَنّه لمّا مات النبيّ صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم تَردَّى في بِئْرٍ ، فماتَ حُزْناً على النبيّ صَلَّى الله تَعَالَى عليه وسلَّم ، كما في شُرُوح الشِّفاءِ وغيرِهَا. ونَقَلَ خُلاصة كلامِهم الدَّمِيرِيّ في حَياةِ الحَيَوان ، أَو هو عُفَيرٌ كزُبَيْرِ كما وَرَد في الحَدِيث ، قال شَيْخُنا : هذا الكَلامُ صَرِيحٌ في أَنّ حِمَارَهُ صلَّى الله تعالَى عليه وسلَّم اختُلِفَ في اسْمه ، فقيل : يَعْفُورٌ ، وقيل : عُفَيْرٌ. وهذا كلامٌ غَيْرُ مُحَرَّرٍ بل كِلاهُمَا كانا حِمَارَيْنِ له صلَّى الله تعالَى عليه وسلّم. فقد سَبَقَ أَنَّ يَعْفُوراً صارَ إِليه صلَّى الله تعالَى عليه وسلَّم من خَيْبَر ، وعُفَيْرٌ أَهْدَاه له صلىاللهعليهوسلم المُقَوْقِسُ.
وقيل : إِنّ يَعْفُوراً هو الّذِي أَهْدَاهُ له المُقَوْقِسُ وعُفَيْراً أَهْدَاهُ له فَرْوَةُ بنُ عَمْرٍو ، وقِيل : عُفَيْرٌ هو الّذِي أَهْدَاه له المُقَوْقِسُ ، ويَعْفُورٌ أَهداه له فَرْوَةُ بن عَمْرو. وقَوْلُ عَبْدُوس إِنَّهما اسْمَانِ لِمُسَمًّى واحِد ، وقَوْلُ غَيْرِه إِنّه واحِدٌ اختُلِفَ في اسْمِه ، قد رَدُّوه وتَعَقَّبوه. وأَغْرَبَ القاضِي عِياضٌ رَحِمَه الله ، فضَبَطَ عُفَيْراً بالغَيْن المُعْجَمَة ، وصَرَّحُوا بتَغْلِيطهِ في ذلك انتهى.
__________________
(١) في اللسان : العِفْرُ : الشجاعُ الجلدُ.
(٢) في اللسان : واليَعْفور واليُعْفور.
(٣) سمي الخشف يعفوراً لكثرة لزوقه بالأرض ، نقله الأزهري عن الليث. الخشف : ولد الغزال ، يطلق على الذكر والأنثى (المصباح).