وقال أَبُو زُبَيْد (١) :
صادِياً يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغَاثٍ |
ولَقَدْ كَانَ عُصْرَةَ المَنْجُودِ |
أَي كانَ مَلْجَأَ المَكْرُوبِ ، وهو مَجاز. الأَخيران (٢) ذَكَرَهُمَا الصاغانيّ في التكملة. وفي اللسان : قال ابنُ أَحْمَرَ :
يَدْعُونَ جارَهُمُ وذِمَّتَهُ |
عَلَهاً وما يَدْعُونَ منْ فالعُصْر |
أَراد : منْ عُصُر ، فخفّف ، وهو المَلْجَأْ. قلتُ : فالعُصْر الذي ذكره المُصَنِّف تَبَعاً للصاغانيّ إِنّما هو مُخَفَّف من عُصُر ، بضَمَّتين ، فتأَمَّل.
والعَصَرُ : الغُبَارُ الشَّديدُ ، كالعَصَرَة ، والعِصَارِ ، ككِتَابٍ.
وأَعْصَرَ الرَّجُلُ : دَخَلَ في العَصْرِ. وأَعْصَرَ أَيضاً : كأَقْصَرَ. ومن المَجاز : أَعْصَرَت المَرْأَةُ : بَلَغَتْ عَصْرَ شَبابِها وأَدْرَكَتْ ، وقِيل : أَوّلَ ما أَدْرَكَتْ وحاضَتْ ، يقال : أَعْصَرَتْ ، كأَنَّهَا دَخَلَتْ ، عَصْرَ شَبابِها. قال مَنْصُورُ (٣) بن مَرْثَدِ الأَسَدِيّ ، كما في اللِّسَان ، ويقال لمَنْظُور بنِ حَبَّةَ ، كما في التَّكْمِلَة.
جَارِيَةٌ بسَفَوانَ دارُها |
تَمْشِي الهُوَيْنَا ساقطاً إِزارُها |
|
قد أَعْصَرَتْ (٤) أَوْ قَدْ دَنَا إِعصارُهَا |
أَو أَعْصَرتْ : دَخَلَتْ في الحَيْضِ ، أَو قَارَبَت الحَيْضَ ، لأَنّ الإِعْصَارَ في الجَاريَة كالمُرَاهَقَة في الغُلام ، رُوِيَ ذلك عن أَبي الغَوْثِ الأَعرابِيّ ، أَو أَعْصَرت : رَاهَقَتْ العِشْرِينَ ، أَو هي التي قد وُلِدَت وهذه أَزَدِيَّةِ أَو هي الّتي حُبِسَتْ في البَيْت ، يُجْعَلُ لها عَصَراً سَاعَة طَمِثَتْ ، أَي حاضَتْ ، كعَصَّرَتْ ، في الكُلِّ ، تَعْصيراً ، هكذا هو مَضْبُوطٌ في سائر النُّسَخ ، وفي نُسْخَة التَّهْذيب لابن القَطَّاع : وأَعْصَرَت الجارِيَةُ : بَلَغَتْ ، وعَصَرَتْ لُغَةٌ فيه ، هكذا هو مَضْبُوطٌ بالتَّخْفيف. وهي مُعْصِرٌ ، وقال ابنُ دُرَيْد : مُعْصِرَةٌ ، بالهاءِ ، وأَنشد قَوْلَ مَنْظُورِ بن حَبَّة السابق :
مُعْصِرَةٌ أَوْقَدْ دَنَا إِعْصَارُها
قال الصاغانيّ : وفي رَجَزِه : «قد أَعْصَرَت». ج مَعاصِرُ ومَعَاصِيرُ وقيل : سُمِّيَت المُعْصِر لانْعِصارِ دَمِ حَيْضِها ونُزُولِ ماءِ تَريبتَها للجِمَاعِ ويقال : أَعْصَرَت الجاريَةُ وأَشْهَدتْ وتَوَضَّأَتْ ، إِذا أَدْرَكَتْ. قال اللَّيْث : ويُقال للجارِيَة إِذا حَرُمَتْ عليها الصَّلاةُ ورَأَتْ في نَفْسَها زِيَادَةَ الشَّبابِ : قد أَعْصَرَتْ ، فهي مُعْصِرٌ : بَلَغَتْ عُصْرَةَ شَبَابِها وإِدْراكِها ، ويُقَال : بَلَغَت عَصْرَهَا وعُصُورَهَا ، وأَنشد :
وفَنَّقَها المَرَاضِعُ والعُصُورُ
وفي حديثِ ابن عَبّاس : «كانَ إِذا قَدِمَ دِحْيَةُ لم يَبْقَ مُعْصِرٌ إِلّا خَرَجَتْ تَنْظُرُ إِليه من حُسْنه». قال ابن الأَثير : المُعْصِرُ : الجارِيَةُ أَوّلَ ما تَحِيضُ لانْعِصَارِ رَحِمِها. وإِنّمَا خَصّ المُعصِرَ بالذِّكْر للمُبَالَغَةِ في خُرُوج غَيْرِهَا من النِّسَاءِ.
وعَصَرَ العِنَبَ ونَحْوَهُ ممّا له دُهْنٌ أَو شَرابٌ أَو عَسَلٌ يَعْصِرُه ، بالكسر ، عَصْراً ، فهو مَعْصُورٌ وعَصِيرٌ ، واعْتَصَرَهُ : اسْتَخْرَج ما فيه. أَو عَصَرَهُ : وَلِيَ عَصْرَ ذلك بنَفْسِهِ ، كعَصَّره تَعْصِيراً ، أَيضاً ، كما نقله الصاغانيّ.
واعْتَصَره ، إِذا عُصِرَ له خاصّةً. واعْتَصَرَ عَصِيراً : اتَّخَذَهُ. وقد انْعَصَر وتَعصَّرَ.
وعُصَارَتُه ، أَي الشَّيْءِ ، بالضّمّ وعُصَارُهُ ، بغير هاءٍ ، وعَصيرُه : ما تحلَّبَ منه إِذا عَصَرْتَه ، قال الشاعر :
كأَنَّ العَذَارَى قَدْ خَلَطْنَ لِلمَّتِي |
عُصَارَةَ حِنّاءٍ مَعاً وصَبيبِ |
وقال آخَرُ :
حَتَّى إِذَا ما أَنْضَجَتْهُ شَمْسُه |
وأَنَى فَلَيْسَ عُصَارُه كعُصَارِ |
وكُلّ شَيْءٍ عُصِرَ ماؤُه فهو عَصِيرٌ ، قال الراجز :
وصارَ باقي الجُزءِ (٥) من عَصيرِهِ |
إِلى سَرَارِ الأَرْضِ أَو قُعُورِهِ |
__________________
(١) عن التهذيب ، وبالأصل «أبو زيد».
(٢) بالأصل «الأخيرين».
(٣) كذا والصواب «منظور» كما في الجمهرة ٢ / ٣٥٤ ومعجم الشعراء.
(٤) في الجمهرة : معصرة أو قددنا إعصارها.
(٥) بالأصل : «وصار ما في الخبز من عصيره» وما أثبت عن التهذيب ، قال : يعني بالعصير الجزء وما بقي من الرطب في بطون الأرض ويبس ما سواه.