ووَردَ في كلام سَلْمَانَ رضِيَ الله عنه : مَن أَصْلَحَ جَوّانِيَّه أَصلَحَ الله بَرّانِيَّة ، بالفتح فيهما ، قالوا : البَرَّانِيُّ : العَلَانِيَةُ ، نِسْبَةٌ على غير قياسٍ ، كما قالوا في صَنْعاءَ : صنْعَانِيُّ ، وأَصلُه مِن قولهم : خَرَج فلانٌ برًّا ؛ إِذا خَرَجَ إِلى البَرِّ والصَّحراءِ ، وليس مِن قديم الكلامِ وفَصِيحِه كما في التَّهْذِيب.
وفي اللِّسان : والبَرُّ : نَقِيضُ الكِنِّ. قال اللَّيْثُ : والعَربُ تَستعملُه في النَّكِرة ، تقولُ العَربُ : جلَستُ بَرَّا وخرجتُ [بَرًّا] (١). قال أَبو منصورٍ : وهذا من كلامِ المُوَلَّدِين ، وما سمعتُه من فُصَحاءِ العربِ البادِيَةِ ، والمعنى : مَن أَصْلَحَ سَرِيرَتَه أَصلَحَ الله عَلانِيَتَه ؛ أُخِذَ مِن الجَوِّ والبَرِّ ، فالجَوُّ : كُلُّ بَطْن غامِضٍ ، والبَرُّ : المَتْنُ الظَّاهِرُ ، فهاتان الكَلِمَتَانِ على النِّسْبَة إِليهما بالأَلفِ والنُّونِ.
وفي الأَساس : افْتَتِح (٢) البَابَ البَرّانِيَّ. ويقال : تُرِيدُ (٣) جَوَّا ويُرِيدُ بَرّاً ، أَي أُرِيدُ خُفْيَةً ويُرِيدُ (٣) عَلَانِيَةً.
والبَرّانِيَّة ببُخَارَاءَ (٤) على خمسة فَرَاسِخَ منها ، ويقال لها : فَوْران (٥) ، منها أَبو المَعَالِي سَهْلُ بنُ أَبي سَهْلٍ محمودِ ابنِ أَبي بكرٍ محمّد بن إِسماعيلَ البَرّانِيُّ الفَقِيهُ الشافعيُّ الواعظُ ، سَمِعَ أَباه وغيرَه ، ورَوَى عنه ابنُه ، ومات ببُخاراءَ سنة ٥٢٤ ، قاله أَبو سَعْدٍ.
والنَّجِيبُ أَبو بكرٍ محمّدُ بنُ محمّدِ بنِ أَبي القاسمِ البَرّانِيُّ : محدِّثٌ ، سَمِعَ أَباه ، وعنه أَبو سَعْدِ بنُ السَّمْعَانِيِّ ، مات سنةَ ٥٤٢.
وعن ابن الأَعرابيِّ : البَرابِيرُ : طعامٌ يُتَّخَذُ مِن فَرِيكِ السُّنْبُل والحَلِيبِ. وذلك أَنَّ الرّاعِيَ إِذا جاعَ يَأْتِي إِلى السُّنْبُلِ فيَفْرُكُ منه ما أَحَبَّ ، ويَنْزِعُه مِن قُنْبُعِه [وهو قِشْرُه] (٦) ، ثم يَصُبُّ عليه اللَّبَنَ الحَلِيبَ ، ويُغْلِيه حتى يَنْضَجَ ، ثم يَجعلُه في إِناءٍ واسعٍ ، ثم يُبَرِّدُه (٧) ، فيكونُ أَطْيبَ من السَّمِيذِ. قال : وهي العَذِيرَةُ (٨) ، وقد اعْتَذَرْنا ، الوَاحِدُ بُرْبُورٌ ، وقد ذَكَره المصنِّف قريباً.
ويقال : بَرَّهُ ، كمَدَّه ، إِذا قَهَرَه بِفِعالٍ أَو مَقَالٍ ، كأَبَرَّه ، والإِبرارُ : الغَلَبَةُ.
وفي الأَمثال : «فُلانٌ لا يَعرِفُ هِرًّا مِن بِرٍّ» ، أَي ما يُهِرُّه ممّا يَبِرُّه ، أَي مَن يَكْرَهُهْ مِمَّنْ يَبِرُه ، أَو ما يعرفُ القِطَّ من الفَأْرِ وقد تقدَّم ، أَو ما يَعرِفُ دُعاءَ الغَنَمِ مِن سَوْقِها ، رواه الجوهريُّ عن ابن الأَعرابيِّ. وقال يُونُس : الهرُّ : سَوْقُ الغَنَمِ ، والبِرُّ : دُعاؤُها ، أَو ما يعرفُ دُعاءَهَا إِلى الماءِ مِن دُعَائِها إِلى العَلَف ، يُروَى عن ابن الأَعرابيِّ أَنَّ البِرَّ : دُعَاءُ الغَنَمِ إِلى العَلَف. أَو ما يَعْرِفُ العُقُوقَ مِن اللُّطْفِ ؛ فالهِرُّ : العُقُوقُ ، والبِرُّ : اللُّطْفُ ، وهو قَوْلُ الفَزارِيِّ ، أَو مَا يَعرفُ الكَرَاهِيَةَ من الإِكرام ، فالهِرُّ : الخُصُومَةُ والكراهيَة ، والبِرُّ :
الإِكرام ، أَو معناه ما يَعرفُ الهَرْهَرَةَ مِن البَرْبَرَةِ ؛ فالهَرْهَرَةُ : صَوتُ الضَّأْن ، والبَرْبَرَةُ : صَوتُ المِعْزَى.
والبُرْبُر ، بالضَّمِّ : الرجلُ الكثيرُ الأَصواتِ ، كالبَرْبارِ.
والبِرْبِرُ (٩) بالكسْر : دُعَاءُ الغَنَمِ إِلى العَلَف ، نقلَه الصَّاغانيُّ.
* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه :
البِرُّ ، بالكسر : التُّقَى ، وهو في قولِ لَبِيد :
وما البِرُّ إِلَّا مُضْمَرَاتٌ مِنَ التُّقَى (١٠)
وتَبارُّوا : تَفاعَلُوا مِن البِرِّ ، وفي كتاب قُرَيْشٍ والأَنصارِ : «وإِنّ البِرَّ دُونَ الإِثْمِ» ، أَي إِنّ الوفاءَ بما جَعَلَ على نفْسِه دُونَ الغَدْرِ والنَّكْثِ.
ويقال : قد تَبَرَّرْتَ في أَمْرِنا ، أَي تَحَرَّجْتَ ، قال أَبو ذُؤَيْبٍ :
__________________
(١) عن هامش المطبوعة المصرية ، واللسان والتهذيب.
(٢) الأساس : افتح.
(٣) الأساس : «أريد ... وهو يريد».
(٤) في معجم البلدان : بَرَّان بتشديد الراء وآخره راء ، من قرى بخارى. ومثله في اللباب.
(٥) ضبطت عن معجم البلدان ، وفي المطبوعة الكويتية : «فُورانُ».
(٦) زيادة عن التهذيب.
(٧) في التهذيب : ثم يُسمِّنه أَي يُبرّده.
(٨) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : العذيرة ، الذي في اللسان : الغديرة وقد اغتدرنا ، وليحرر» وفي التهذيب : الغديرة أَيضاً.
(٩) في التكملة : البِرّ.
(١٠) ديوانه ، وعجزه :
وما المال إِلّا معمرات ودائعُ