وشارِبٍ مُرْبِحٍ بالكَأْسِ نادَمَنِي |
|
لا بالحَصُورِ ولا فيها بسَآرِّ |
أَي أَنه لا يُسْئِرُ في الإِناءِ سُؤْراً ، بل يَشْتفه كُلَّه ، والرِّواية المشهورة : بسَوَّار ، أَي بمُعَرْبِدٍ وَثَّابٍ كما سيأْتِي.
والقِيَاسُ مُسْئِرٌ ، قال الجوهَرِيُّ : ونظيره أَجبَرَه فهو جَبَّار.
ويَجُوزُ ، أَي القياسُ ، بناءً على أَنه لا يُتَوقَّف على السَّمَاع.
قال شيخُنَا : والصواب خِلافُه ، لأَن الأَصحّ في غيرِ المَقِيس أَنه لا يُقَال ، ويُقدّم على القياس فيه إِلّا إِذَا لم يُسْمَع فيه ما يَقُوم مَقَامَه ، خلافاً لبعض الكوفيّين الذين يُجوِّزون مطلقاً ، والله أَعلم.
وفي التَّهْذِيب : ويَجوز أَن يكون سَآرٌ من سأَرْت (١) ومن أَسأَرْت ، كأَنَّه رُدَّ في الأَصل ، كما قالوا : دَرَّاك من أَدْرَكْت ، وجَبَّار من أَجْبَرْت.
ومن المَجَاز : فيه سُؤْرَةٌ ، أَي بَقِيَّةٌ من شَبَابٍ. في الأَساس : يقال ذلك للمرْأَةِ التي جاوَزَت الشَّبَابَ ولم يُهرِّمها الكِبَر. وفي كتاب اللَّيْث : يقال : ذلك للمرأَة التي قد جَاوَزَتْ عُنْفُوانَ شَبَابِها ، قال : ومنه قَولُ حُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ الهلالِيّ :
إِزاءُ مَعَاشٍ مَا يُحَلُّ إِزَارُها |
|
من الكَيْس فيها سُؤْرةٌ وهي قاعدُ |
أَراد بقوله : «قاعد» قُعودها عن الحَيْض ، لأَنّها أَسنَّتْ ، فقَول المصنّف فيه بتذْكِير الضمير مَحَلُّ تأَمُّل.
ومن المَجاز : هذِه سُؤْرَةٌ من القُرْآنِ وسُؤَرٌ منه ، أَي بَقِيّة منه وقِطْعَةٌ ، لُغَةٌ في سُورَة ، بالواو. وقيل : هو مأْخوذٌ من سُؤْرَة المالِ : جَيِّدُه ، تُرِكَ هَمْزُهَا لَمَّا كَثُرَ الاستِعْمَالُ.
وفي التَّهْذِيب : وأَمّا قَوله : «وسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ» ، فإِنَّ أَهلَ اللُّغَةِ اتَّفَقُوا على أَن معنَى سَائِر في أَمْثَالِ هذا الموضِع بمَعْنَى الباقِي ، من قَولك أَسَأَرتُ سُؤْراً وسُؤْرَةً إِذا أَفْضلْتَها وأَبقَيتَها ، والسائِرُ : الباقِي ، وكأَنَّه من سَأَر يَسْأَر فهو سَائِر [أَي فَضَلَ] (٢) قال ابنُ الأَعرابِيّ فيما رَوَى عنه أَبُو العبّاس : يقال سَأَر وأَسْأَر ، إِذا أَفْضَلَ ، فهو سائِرٌ. جَعَلَ سَأَرَ وأَسْأَر واقِعَيْنِ ، ثم قال : وهو سائِرٌ ، قال : قال : فلا أَدرِي أَرادَ بالسّائِر المُسئِرَ (٣) ، لا الجَمِيعُ كما تَوهَّمَه (٤) جماعاتٌ اعتماداً على قَولِ الحريريّ في : «درة الغواص في أَوْهَام الخواصّ».
وفي الحديث : «فَضْلُ عائِشةَ على النِّسَاءِ كفَضْلِ الثَّرِيدِ على سائِر الطَّعَامِ» ، أَي باقيه. قال ابن الأَثير : والناسُ يَسْتعملونه في معنَى الجَمِيع ، وليس بصَحِيح ، وتَكَرَّرَت هذه اللفظة في الحديث وكلّه بمعنَى باقِي الشيْءِ ، والباقِي : الفاضِلُ ، وهذه العبارة مأْخُوذة من التَّكْمِلة. ونصّها : سائِرُ النَّاس : بَقِيَّتُهُم ، وليس معناه جماعَتَهم (٥) كما زَعَم من قَصُرَت معرفَتُه ، انتهى أَو قد يُسْتَعْمَل لَهُ ، إِشارَة إِلى أَن في السّائِر قَوْلَيْنِ :
الأَوّل : وهو قول الجمهور من أَئمّة اللُّغَة وأَرباب الاشتقاق أَنه بمعنَى الباقِي ، ولا نِزاعَ فيه بينهم ، واشتقاقُه من السُّؤْر وهو البَقِيّة.
والثاني : أَنه بمعنَى الجَمِيع ، وقد أَثبتَه جماعةٌ وصَوَّبوه ، وإِليه ذَهَب الجوهريّ والجواليقيّ ، وحقَّقه ابن بَرِّيّ في حواشي الدُّرَّة ، وأَنشد عليه شَواهِدَ كثيرةً وأَدِلَّة ظاهِرَةً ، وانتَصر لهم الشيخُ النَّوَوِيّ في مواضِعَ من مُصنَّفاته.
وسَبَقَهم إِمامُ العربيّة أَبو عَلِيٍّ الفارِسِيّ ، ونقلَه بعضٌ عن تلميذِه ابنِ جِنِّي.
واختلفوا في الاشتقاق فقيل : من السَّيْر ، وهو مَذْهبُ الجوهريّ والفارسيّ ومَنْ وَافقهما ، أَو من السُّور المحيطِ بالبلَد ، كما قاله آخَرون. ولا تناقُضَ في كلامِ المُصَنِّف ولا تَنَافِيَ ، كما زَعَمَه بعضُ المُحَشِّينَ ، وأَشار له شَيخُنا في شَرْحِه على دُرَّة الغَوَّاص ، فَرَحِمه الله تعالى وجزَاه عنّا خَيْراً.
ثم إِنّ المصنِّف ذكر للقَوْل الثَّانِي شاهِداً ومَثَلَيْن ، كالمُنْتَصِر له ، فقال ومنهُ قولُ الأَحْوصِ الشاعر :
__________________
(١) عبارة التهذيب : من سأرت وهو الوجه ، ويجوز أن يكون من أسأرت كأنه رده إلى الثلاثي.
(٢) زيادة عن التهذيب.
(٣) الأصل واللسان ، وفي التهذيب : أراد بالسائر المسَيِّر أو الباقيَ الفاضلَ.
(٤) في القاموس : توهّم.
(٥) في التكملة : جماعة الناس.