ومن المَجازِ قَوْلُ العَرَب : أَتَيْتُ فلاناً ثُمَّ رَجَعْتُ عَلَى حَافِرَتِي ، أَي طَرِيقِي الَّذِي أَصْعَدْتُ فِيهِ خاصّةً ، فإِنْ رَجَع على غيْرِه لم يَقل ذلك. وفي التهذِيب : أَي رَجَعْت من حَيْثُ جِئْت : ورَجَعَ على حافِرَتهِ ، أَي طَرِيقهِ الّذِي جاءَ مِنه.
ومن المَجاز : الْحَافِرَةُ : الخِلْقَةُ الأُولَى ، والعَوْدُ (١) في الشَّيْءِ حتى يُرَدَّ آخِرُهُ عَلَى أَوَّلِه. وفي الكِتاب العَزِيز : (أَإِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) (٢) ، أَي في أَوَّلِ أَمْرِنا. وأَنْشَد ابنُ الأَعْرَابِيّ :
أَحافِرَةً على صَلَعٍ وشَيْبٍ |
|
مَعَاذَ الله من سَفَهٍ وعَارِ |
يقول : أَأَرجِعُ إِلى ما كُنْتُ عليه في شَبابِي وأَمْرِي الأَوّلِ من الغَزل والصِّبَا بعد ما شِبْتُ وصَلِعْتُ.
وفي الحديث «إِنَّ هذَا الأَمْرَ لا يُتْرك على حَالِه حتّى يُرَدّ على حافِرَتهِ» أَي على أَوَّلِ تأْسِيسه. وقال الفَرَّاءُ في تَفْسِير قَولِهِ تَعَالَى (أَإِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) أَي إِلى أَمرِنا الأَوّل ، أَي الحَيَاةِ. وقال ابنُ الأَعرابِيّ : في الحافِرَة ، أَي في الدُّنْيَا كما كُنَّا ، وقيل : أَي في الخَلْق الأَوَّل بعدَ ما نَمُوت.
وقالوا في المثل : «النَّقْدُ عِنْدَ الحَافِرَةِ ، والحَافِر» أَي عِنْدَ أَوَّل كَلِمَةٍ وفي التَّهْذِيب : معناه : إِذا قَالَ قد بِعتُك رَجَعْتَ عليه بالثمن ، وهما في المعنَى واحدٌ. وأَصْلُه أَي المَثَلِ أَنَّ الخَيلَ أَكرَمُ ما كَانَتْ عِنْدَهُم وأَنْفَسُه ، وكَانُوا لنفاسَتِها عِنْدَهم ونَفاسِهم بها لا يَبِيعُونَها نَسِيئَةَ ، فكان يَقولُه الرَّجُلُ للرَّجُلِ : «النَّقْدُ عند الحافر» أَي عِنْد بَيْع ذاتِ الحَافِر ، أَي لا يَزُولُ حَافِرُه حَتَّى يَأْخُذَ ثَمَنَهُ. وصَيَّروه مَثَلاً.
ومَنْ قال : «عند الحافِرَة» فإِنَّه لَمَّا جَعَل الحافِرَ في مَعْنَى الدّابّة نَفْسِها ، وكَثُر اسْتِعْمَالُه من غير ذِكْرِ الذّات أُلحِقَت به عَلَامَةُ التَّأْنِيث إِشعاراً بتَسْمِية الذَّاتِ بها. أَو كَانُوا يَقُولُونَها ويَتَكلَّمُون بها عِنْدَ السَّبْق والرِّهَانِ. رَوَاهُ الأَزهريّ عن أَبِي العَبّاس. وقال : أَيْ أَوّل ما يقَعُ حَافِرُ الفَرَسِ عَلَى الحَافِرِ ، أَي المَحْفُورِ ، (٣) كما يُقَالُ : ماءٌ دافِقٌ (٤) ، يُرِيدُ : مَدْفُوقٌ.
وفي نَصِّ أَبي العَبّاس : أَو الحافِرَةُ : الأَرْضُ المَحْفُورَة.
يقال : أَوَّل مَا يَقَع حافِرُ الفَرَس على الحافرة فَقَدْ وَجَبَ النَّقْدُ. يَعنِي في الرِّهَانِ ، أَي كما يَسْبِق فيَقَع حافِرُه ، يقول : هاتِ النَّقْدَ. وقال الليثُ : النَّقْدُ عند الحافر معناه إِذا اشتريْتَه لم تَبْرَحْ (٥) حتّى تَنْقُدَ. هذا أَصْلُه ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى استُعْمِل في كُلِّ أَوّلِيَّة فقيل : رَجَعَ إِلَى حافِره ، وحافِرَتِه ، وفعَل كذا عند الحافِرةِ والحافِرِ ، ومنهحديث أُبَيّ قال : «سأَلْتُ النّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلَّم عن التَّوْبَة النَّصُوحِ قال : هو النَّدَم على الذّنْب حين يَفْرُط منك وتَسْتَغْفِر الله بنَدَامتك (٦) عندَ الحافِرِ لا تَعُود إِليه إِبداً» والمعنَى تَنْجِيز النّدامَةِ والاسْتِغْفَارِ عِنْد مُوَاقَعَةِ الذَّنْب من غَير تَأْخِيرٍ ، لأَنَّ التَّأْخِيرَ مِن الإِصْرارِ.
ومن المَجاز : هذا غَيْثٌ لا يَحْفِرُه أَحَدٌ ، أَي لا يَعْلَمُ أَحَدٌ أَيْنَ أَقْصاه.
والحِفْرَاةُ ، بالكَسْرِ : نَبَاتٌ في الرَّمْلِ لا يزالُ أَخضَرَ ، وهو من نَبَاتِ الرَّبِيع. قال أَبُو النَّجْم في وَصْفها :
يَظَلُّ حِفْرَاه من التَّهَدُّلِ |
|
في رَوْضِ ذَفْرَاءَ ورُعْلٍ مُخْجِلِ |
ج حِفْرَى ، كشِعْرَى.
وقال أَبو حنيفَة : الحِفْرَى : ذاتُ وَرَقٍ وشَوْكٍ صِغارٍ ، لا تَكُون إِلَّا في الأَرضِ الغَلِيظة ، ولها زَهْرةٌ بَيْضَاءُ ، وهي تَكُون مِثْلَ جُثَّةِ الحَمَامَةِ.
قلت : وأَنشدَ أَبو عَلِيٍّ القَاليّ في المَقْصُورِ لكُثَيّر :
وحَلَّت سُجَيْفَةُ (٧) من أَرْضِها |
|
رَوَابِيَ يُنْبِتْنَ حِفْرَى دِمَاثَا |
والحِفْرَاة عِنْدَ أَهْلِ اليمن : خَشَبَةٌ ذاتُ أَصَابعَ يُذَرَّى بها الكُدْسُ المَدُوسُ ويُنَقَّى بِهَا البُرُّ مِنَ التِّبْنِ.
__________________
(١) في اللسان : العودةُ.
(٢) سورة النازعات الآية ١٠.
(٣) التهذيب واللسان : المحفورة.
(٤) اشارة إلى قوله تعالى : خلق من ماء دافق.
(٥) الأصل والتهذيب ، وفي اللسان : لن تبرح.
(٦) الباء في بندامتك ، بمعنى مع أو للاستعانة ، أي تطلب مغفرة الله بأن تندم. والواو في وتستغفر للحال أو للعطف على معنى الندم. (عن اللسان).
(٧) عن الديوان وبالأصل «سخيفة».