قال الأَزهَرِيُّ : وقَدْ صَحَّت الرِّوايةُ عن ابْنِ عبّاس أَنه قال : «لا حَصْرَ إِلا حصْرُ العَدُوّ». فجعلَه بغير أَلِف جَائزاً بمَعْنَى قَوْلِ الله عزوجل : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (١) والحصْرُ للبَعِيرِ وإِحْصَارهُ شَدُّهُ بالحِصَارِ والْمِحْصَرَةِ ، وسيأْتي بَيَانُهُمَا ، كاحْتِصَارِهِ. يقال : أَحْصَرْتُ الجَمَلَ ، وحَصَرْتُه : جَعلتُ له حِصَاراً. وحَصَرَ البعِيرَ يَحْصُرُه ويَحْصِرُه حَصْراً ، واحْتصَرَه : شَدَّه (٢) بالحِصَار.
والحُصْرُ ، بالضَّمِّ : احْتِبَاسُ ذِي البَطْنِ ، ويقال فيه أَيضاً بضَمّتَيْن كما في الأَساسِ (٣) وشُرُوح الفَصِيح. حُصِرَ ، كعُنِيَ ، فهو مَحْصورٌ ، وأُحْصِرَ ، ونُقِل عن الأَصمعيّ واليَزِيديّ : الحُصْرُ من الغائِطِ ، والأُسْرُ مِنَ البَوْل. وقال الكِسائِيّ : حُصِرَ بِغائِطِه وأُحْصِرَ بضَمّ الأَلِف. وعن ابن بُزُرْجَ (٤) : يُقَالُ للّذِي به الحُصْر : مَحْصُورٌ وقد حُصِرَ عليه بَوْلُه يُحْصَر حَصْراً أَشَدَّ الحَصْر ، وقد أَخذَه الحُصْرُ ، وأَخذَه الأُسْرُ شيْءٌ وَاحِدٌ ، وهو أَن يُمْسَك بِبَوْلِه. يُحْصَرُ حَصْراً فلا يَبول قال : ويقولون : حُصِرَ عليه بَولُه وخَلَاؤُهُ.
والحَصَرُ ، بالتَّحْرِيك : ضِيقُ الصَّدْرِ ، وقد حَصِرَ صَدْرُ المَرْءِ عن أَهْله (٥) ، إِذا ضَاقَ ، قال الله عَزَّ وجَلّ : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ) (٦) ، معناه ضَاقَت صُدُورُهم عن قِتَالِكم وقِتَالِ قَوْمهِم. وكُلُّ مَنْ بَعِلَ (٧) بشيْءٍ أَو ضاقَ صَدْرُهُ بأَمْرٍ فقد حَصِرَ ، وقيل : ضاقَت بالبُخْل والجُبْن وعبّرَ عنه بِذلك كما عبّرَ بضِيقِ الصَّدْر وعن ضِدّه بالبرّ والسَّعَة.
وقال الفَرّاءُ : العَرَبُ تقول : أَتَانِي فلانٌ ذَهبَ عَقْلُه يريدون قد ذَهَبَ عَقْلُه.
قال الزَّجّاج : جَعَلَ الفَرَّاءُ قوله حَصِرَت حَالاً ، ولا يكونُ حَالاً إِلَّا بقَدْ. وقال ثَعْلب : إِذا أُضْمِرَت «قد» قَرَّبَتْ من الحالِ وصارتْ كالاسْمِ ، وبها قرأَ منْ قرأَ : حَصِرةً صُدُورُهم.
وقال أَبو زيد : ولا يكُونُ جَاءَني القَومُ ضاقت صُدُورُهم إِلَّا أَن تَصِلَه بواو أَو بقدْ ، كأَنَّك قلتَ : جَاءَني القَوْمُ وضَاقَتْ صُدُورُهم ، أَو قَدْ ضَاقَتْ صُدُورُهم.
وقال الجوهريّ : وأَما قَوْلُه : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) فأَجاز الأَخْفَشُ والكُوفِيّون أَنْ يَكُونَ المَاضِي حَالاً ولم يُجِزْه سِيْبَويْه إِلّا مَع قَدْ ، وجعلَ (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) عَلَى جهَةِ الدّعاءِ عليهم.
والحَصَرُ : البُخْلُ ، وقد حَصِرَ ، إِذَا بَخِلَ ، ويقال : شَرِبَ القَوْمُ فحَصِرَ عليهم فُلانٌ ، أَي بَخِلَ. وكُلُّ من امْتَنَع من شَيْءٍ (٨) لم يَقْدِر عليه فقد حَصِرَ عنه.
والحَصَرُ : العِيُّ في المَنْطِقِ. تَقُولُ : نَعُوذُ بِك (٩) من العُجْب والبَطَر ، ومن العِيِّ والحَصَر. وقد حَصِرَ حَصَراً إِذَا عَيِىَ.
وفي شرح مُفَصَّل الزَّمَخْشَرِيّ أَنَّ العِيَّ هو استِحْضَارُ المَعنَى ولا يَحْضُرُك اللَّفْظُ الدّالُّ عليه ، والحَصرُ مثْلُه إِلَّا أَنّه لا يَكُون إِلّا لسبَب مِن خَجَلٍ أَو غَيْرِه. وقيل : الحَصَرُ : أَن يَمْتَنِعَ عَنِ القِرَاءَةِ فلا يقْدِر عَلَيْه وكُلُّ مَنِ امْتَنَع من شَيْءٍ لم يَقْدِر عَلَيْه فقد حَصِرَ عَنْه.
وقال شيخُنا : كلامُ المُصَنّف كالمُتناقِض ، لأَنَّ قولَه يَمْتَنع يَقْتَضِي اختياره ، وقوله : فلَا يَقْدِر ، صَرِيحٌ في العَجْز ، والأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : وأَن يُمْنَع. من الثُّلاثيّ مَجْهُولاً.
قُلتُ : إِذا أَردْنا بالامْتِنَاع العجْز فلا تَنَاقُض.
الفِعْلُ في الكُلِّ حَصِرَ ، كفَرِحَ ، حَصَراً ، فهو محصور وحَصِرٌ وحَصِيرٌ.
والحَصِيرُ : الضَّيِّقُ الصَّدْرِ ، كالحَصُور ، كصَبُور. قال الأَخْطَل :
وشارِبٍ مُرْبِجٍ بالكَأْسِ نادَمَني |
|
لا بالحَصُورِ ولا فيها بِسآرِ (١٠) |
__________________
(١) من الآية ١٩٦ سورة البقرة.
(٢) في المطبوعة الكويتية : «شدة» تطبيع.
(٣) وفي اللسان : «والحُصْر والحُصُر» واقتصر في الصحاح على الضم.
(٤) في اللسان : «بَزرج» بتقديم الراء على الزين ، وقد تكرر فيه هذا الخطأ كثيراً ، وصوابه «برزج» وهو عبد الرحمن بن بزرج وكان من حفاظ الغريب والنوادر.
(٥) في التهذيب «أمره».
(٦) سورة النساء الآية ٩٠.
(٧) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : بعل بشيء ، عبارة اللسان : بعل بشيء أي دهش» وفي اللسان فكالأصل.
(٨) في الصحاح : فلم يقدر.
(٩) في الأساس : ونعوذ بالله.
(١٠) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : مربج ، الذي في اللسان : مربح ،