ساقَ حرّ ، فقال : ساقَ حُرٍّ ، إِن كان مضافاً ، أَو ساقَ حُرًّا إِن كان مُركَّبا ، فيَصْرِفُه لأَنه نكرةٌ ، فتَرْكُه إِعرابَه يَدلُّ على أَنه حَكَى الصوتَ بعَيْنِه ، وهو صِيَاحُه : ساق حُرّ ساق حُرّ ، وأَمّا قولُ حُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ السابقُ فلا يدلُّ إِعرابُه على أَنه ليس بصوتٍ ، ولكنّ الصوتَ قد يُضافُ أَوّله إِلى آخره ، وكذلك قولُهم : خازِبازِ ؛ وذلك أَنه في اللَّفْظ أَشْبَهَ بابَ دارٍ ، قال : والرِّوايَةُ الصحيحةُ في شعر حُمَيْد :
دَعَتْ ساقَ حُرٍّ في حَمَامٍ تَرَنَّمَا (١)
وقال أَبو عَدْنَانَ : يَعْنُونَ بساقِ حُرّ لَحْنَ الحمامةِ.
قلتُ : وَنَقَلَ هذا الكلَام كلَّه شيخُنَا ، عن شارِح المَقَاماتِ عبد الكريمِ بنِ الحُسَيْن بنِ جَعْفَرٍ البَعْلَبَكِيِّ ، في شَرْحِه عليها ، ونَظَر فيه مِن وُجُوهٍ ، ظانًّا أَنه كلامُه ، وليس كذلك ، بل هو مأْخوذٌ مِن كتاب المُحْكَمِ لابن سِيدَه ، وكذا نَظَرَ فيما تَصَرَّفَه ابنُ جِنِّي ، فلْيُنْظَرْ في الشَّرْح ، قال : ومِن أَظرَف ما قيلَ في ساق حرّ قولُ مالكِ بنِ المُرَحِّلِ ، كما أَنْشَدَه الشريفُ الغِرْناطِيُّ ـ رَحِمَه اللهُ ـ في شَرْح مَقْصُورةِ حازِمٍ المشهورةِ ، وسمعتُه مِن شَيْخَيْنا الإِمامَيْنِ : أَبي عبدِ اللهِ محمّدِ بن المسناويِّ ، وأَبي عبدِ اللهِ بنِ الشّاذِلِيِّ ، رضيَ الله عنهما ، مِراراً :
رُبَّ رَبْعٍ وَقَفتُ فيه وعَهْدٍ |
|
لم أُجاوِزْه والرَّكِائِبُ تَسْرِي |
أَسْأَلُ الدّارَ وهْي قَفْرٌ خَلاءٌ |
|
عن حَبيبٍ قد حَلّهَا منذُ دَهْرِ |
حيثُ لا مُسْعِدٌ علَى الوَجْدِ إِلّا |
|
عَيْنُ حُرٍّ تَجُودُ أَو ساقُ حُرِّ |
أَي عينُ شَخْصٍ حُرٍّ تُساعِدُه على البكاءِ ، أَو هذا النوعُ مِن القَمَارِيِّ يَنوحُ معه.
والحُرَّانِ : الحُرُّ ، وأَخُوه أُبَيُّ ، وهما أَخَوانِ ، وإِذا كان أَخَوانِ أَو صاحِبانِ ، وكان أَحدهما أَشْهرَ من الآخَرِ سُمِّيَا جميعاً باسم الأَشْهَرِ ، قال المُتَنَخِّل (٢) اليَشْكُرِيُّ :
أَلَا مَنْ مُبْلِغُ الحُرِّيْنِ عَنِّي |
|
مُغَلْغَلَةً وخصَّ بها أُبَيَّا |
فإِن لم تَثْأَرَا لِي مِنْ عِكَبٍّ |
|
فلا أَرْوَيْتُمَا أَبَداً صَدَيَّا |
يُطَوِّفُ بي عِكَبُّ في مَعَدٍّ |
|
ويَطْعَنُ بالصُّمُلَّةِ في قَفَيَّا |
قالوا : وسَببُ هذا الشِّعرِ أَنّ المُتَجَرِّدَةَ امرأَةَ النُّعْمَانِ كانت تَهْوَى المُتَنَخّلَ هذا ، وكان يَأْتِيها إِذا رَكِبَ النُّعْمانُ ، فلاعَبَتُه يوماً بقَيْد ، فجَعَلَتْه في رِجْلِه ورِجْلِهَا ، فدَخَلَ عليهما النُّعْمَانُ وهما على تلك الحالِ ؛ فَأَخَذَ المُتَنَخِّل ، ودَفَعَه إِلى عِكَبٍّ اللَّخمِيِّ صاحبِ سِجْنِه ، فتَسَلَّمَه ، فجَعَلَ يَطْعَنُ في قَفاه بالصُّمُلَّةِ ، وهي حَرْبَةٌ كانتْ في يَدِه.
والحِرُّ بالكسر وتشديدِ الرّاءِ : فَرْجُ المرأَةِ ، لغةٌ في المُخَفَّفةِ عن أَبي الهَيْثم ، قال : لأَن العربَ استثقلتْ «حاءً» قبلَهَا حْرفٌ ساكنٌ ، فحَذَفُوهَا وشَدَّدُوا الرّاءَ ، وهو في حديث أَشْرَاطِ السّاعَةِ : «يُسْتَحَلُّ الحِرُ والحَرِيرُ». قال ابن الأَثِير : هكذا ذَكَرَ أَبو موسَى في حرف الحاءِ والرّاءِ ، وقال : الحِرُ ، بتخفيف الرّاءِ : الفَرْجُ ، وأَصلُه حِرْحٌ ، بكسرِ الحاءِ وسكونِ الرّاءِ ، ومنهم مَن يُشَدِّدُ الرّاء. وليس بجَيِّدٍ ؛ فعلى التَّخْفِيف يكونُ في ح ر ح لا في ح ر ر ، قال : والمشهور في رواية هذا الحديث ـ على اختلاف طُرُقِه ـ : يَسْتَحِلُّونَ الخَزَّ والحَرِيرَ ، بالخاءِ والزّاىِ ، وهو ضَرْبٌ مِن ثياب الإِبْرَيْسَمِ معروفٌ ، وكذا جاءَ في كتاب (٣) البُخَارِيِّ وأَبي داوودَ ، ولعلَّه حديثٌ آخَرُ جاء كما ذَكَرَه أَبو موسى ، وهو حافِظٌ عارِفٌ بما رَوَى وَشَرَح ؛ فلا يُتَّهَمُ. وذُكِرَ في ح ر ح ؛ لأَنه يُصغَّرُ على حُرَيْحٍ ، ويجمع على أَحْراحٍ ، والتصغيرُ وجمْع التكسيرِ يَرُدّانِ الكلمةَ إِلى أُصُولها. وتقدَّم الكلام هناك ، فراجِعْه.
والحَرَّةُ ، بالفتح : البَثْرَةُ الصَّغِيرَةُ ، عن أَبي عَمْرٍو.
وعن ابن الأَعرابيّ : الحَرَّة : العَذَابُ المُوجِعُ ، والظُّلْمَة الكثيرة ، نقلَهما الصَّاغانيُّ.
وحِرارُ العَرَبِ كثيرةٌ ، فمنها :
__________________
(١) ضبطت «حر» هنا في التهذيب بفتح الحاء ، نقلاً عن أبي عدنان. وما أثبت ضبطه عن اللسان.
(٢) كذا بالأصل واللسان ، وصوابه «المُنَخَّل» وهو من شعراء الحماسة.
(٣) في النهاية : كتابي.