وإِحاطتِه بالتَّمْيِيزِ ، وفي الكتاب العَزيز : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (١).
والحِجْرُ : حِجْرُ الكَعْبَةِ ، قال الأَزهَرِيُّ : هو حَطِيمُ مكةَ ؛ كأَنَّه حُجْرَةٌ مّما يَلِي المَثْعَبَ مِن البَيت ، وفي الصّحاح : هو ما حَوَاه الحَطِيمُ المُدَارُ بالكعبةِ ، شَرَّفهَا الله تعَالى ونَصُّ الصّحاح : بالبَيْت مِن ـ وسَقَطَتْ مِن نَصِّ الصّحاحِ ـ جانِب الشَّمَالِ. وَكُلُّ ما (٢) حَجَرْتَه مِن حائطٍ فهو حِجْرٌ. ولا أَدْرِي لأَيِّ شيْءٍ عَدَلَ عن عِبارَة الصّحاح مع أَنها أَخْصَرُ. وقال ابنُ الأَثِير : هو الحائطُ المُسْتَدِيرُ إِلى جانِب الكعبةِ الغَربيِّ.
والحِجْرُ : دِيَارُ ثَمُودَ ناحيةَ الشّامِ عنْد وادِي القُرَى ، أَو بلادُهم ، قيل : لا فَرْقَ بينهما ؛ لأَن دِيَارَهم ، في بلادهم ، وقيل : بل بينهما فَرْقٌ ، وهم قومُ صالحٍ عليهالسلام ، وجاءَ ذِكْرهُ في الحديث كثيراً. وفي الكتاب العزيز : (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) (٣).
وفي المَرَاصِد : الحِجْرُ : اسمُ دارِ ثَمُودَ بوادِي القُرَى بين المدينةِ والشَّامِ ، وكانت مَساكِن ثَمودَ ، وهي بُيوتٌ مَنحوتَةٌ في الجِبَال مثْل المَغَاوِر ، وكلُّ جَبَلٍ منْقَطِعٌ عن الآخَرِ ، يُطَاف حولَهَا ، وقد نُقِرَ فيها بيوتٌ تَقِلُّ وَتَكْثُرُ على قدْر الجِبَالِ التي تُنقَرُ فيها ، وهي بُيوتٌ في غايةٍ الحسْنِ ، فيها بيوتٌ وطَبَقَاتٌ مَحْكَمَةُ الصَّنْعَةِ ، وفي وَسَطها البِئْرُ التي كانت تَرِدُهَا النّاقَةُ.
قال شيخنَا : ونَقَلَ الشهاب الخَفَاجِيُّ في العِنَايَة أَثنَاءَ بَرَاءَة : الحِجْر : بالكسر ويُفْتح : بلادُ ثَمود ، عن بعض التَّفاسِير ، ولا ادْرِي ما صِحَّة الفتْحِ.
والحِجْر : الأُنْثَى مِن الخيْل ، ولم يقولوا بالهاءِ ؛ لأَنه اسمٌ لا يَشْرَكهَا فيه المذكَّرُ ، وهو لَحْنٌ.
وفي التَّكْمِلَةِ بعد ذِكْرِه أَحْجَارَ الخَيْلِ : ولا يَكَادون يُفْرِدُون الواحدةَ (٤) ، وأَمّا قَوْل العامَّة للواحِدَة حِجْرَة ـ بالهاءِ ـ فمُسْتَرْذَلٌ. انتَهى. وقد صَحَّحَه غيرُ واحدٍ.
قال الشِّهَابُ في شَرْح الشِّفَاءِ : إِن كلامَ المصنِّفِ ليس بصَوَابٍ ، وإِنْ سَبَقَه به غيرُه ؛ فقد وَردَ في الحديث ، وصَحَّحَه القَزْوِينِيُّ في مثلّثاته ، وإِليه ذَهَبَ شَيْخُنَا المَقْدِسِيُّ في حَوَاشِيه. قال شيخنَا : القَزْوِينِيُّ ليس مِمَّن يُرَدُّ به كلام جَمَاهِيرِ أَئِمَّةِ اللغةِ ، والمَقْدِسيُّ لم يَتَعَرَّضْ لهذه المادَّةِ في حَوَاشِيه ، ولا لفَصْلِ الحاءِ بأَجْمَعِه ، ولعَلَّه سَها في كلام غيرِه.
قال : والحديث الذي أَشار إِليه ؛ فقد قال القَسْطلانِيُّ في شرْح البُخاريّ حين تَكَلَّم على الحِجْرِ ـ أُنْثَى الخَيْلِ ـ وإِنكارِ أَهلِ اللغةِ الحِجْرَة ، بالهاءِ : لكن رَوَى ابنُ عَدِيٍّ في الكامل مِن حديث عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ ، عن أَبيه ، عن جَدِّه ، مَرْفوعاً : «ليس في حِجْرَةٍ ولا بَغْلةٍ زَكَاةٌ». قال شيخُنَا : وقد يُقَال إِن إِلحاقَ الهاءِ هنا لمُشَاكَلَة بَغْلَةٍ ، وهو بابٌ واسعٌ.
ج حُجُورٌ وحُجُورَةٌ وأَحْجَارٌ.
في الأَساس : يقال : هذه حِجْرٌ مُنْجِبَةٌ مِن حُجُورٍ مُنْجِبابٍ ، وهي الرَّمَكَةُ ، كما قِيل :
إِذا خَرِسَ الفَحْلُ وَسْطَ الحُجُورِ |
|
وصاحَ الكِلَابُ وعُقَّ الوَلَدْ (٥) |
معناه أَن الفَحْلَ الحِصانَ إِذا عَايَنَ الجَيْشَ وبَوارِقَ السُّيُوفِ لم يَلْتَفِتْ جِهَةَ الحُجُورِ (٦) ، ونَبَحَتِ الكلابُ أَرْبابَهَا ؛ لتغيُّرِ هيآتِها (٧) ، وعَقَّتِ الأُمَّهاتُ أَوْلادَهُنَّ وشَغلهُنَّ الرُّعْبُ عنهم (٨).
والحِجْرُ : القَرَابَةُ ، وبه فُسِّر قولُ ذِي الرُّمَّةِ :
فأَخْفيْتُ ما بِي مِن صَدِيقِي وإِنّه |
|
لذُو نسَبٍ دانٍ إِليَّ وذو حِجرِ |
__________________
(١) سورة الفجر الآية ٥.
(٢) وعن اللسان ، وبالأصل «وكلما».
(٣) سورة الحجرة الآية ٨٠.
(٤) وهذا قول ابن السكيت ، وقد نقله الأزهري وعقّب عليه قال : قلت : بلى ، يقال هذه حجر من أحجار خيلي ، يراد بالحجر الفرس الأنثى خاصة. جعلوها المحرّمة الرَّجم إلا على حصان كريم.
(٥) الأساس والحيوان ٢ / ٧١.
(٦) في الحيوان للجاحظ : لِفْتَ الحجور.
(٧) في الحيوان : تنبح أربابها كما تنبح سرعان الخيل إليهم لأنها لا تعرفهم من عدُوِّهم.
(٨) كذا بالأصل والأساس وفي الحيوان : وعُقّ الولد : فإن المرأة إذا صبّحتهم الخيل ، ونادى الرجال يا صباحاه ، ذهلت عن ولدها ، وشغلها الرعب عن كل شيء ، فجعل تركها احتمالَ ولدها والعطفَ عليه في تلك الحالة ، عقوقاً منها.