إِذَا في قولهم مُذُ اليوم ومُذُ الليلَة ، إِنما هو رَدٌّ إِلى الأَصل الأَقربِ الذي هو منذُ ، دون الأَصل الأَبْعَد الذي هو سكون الذال في مُنذ قبل أَن تُحَرَّك فيما بعد ، ولِتَصْغِيرِهم إِيَّاهُ مُنَيْذٌ ، قال ابنُ جِنِّي : قد تُحْذَف النون من الأَسماءِ عَيْناً في قولهم مُذ ، وأَصله مُنْذُ ، ولو صَغَّرْتَ مُذ اسم رَجُلٍ لقلْتَ مُنَيْذ ، ورددت النونَ المَحْذُوفَةَ لِيَصِحّ لك وَزْنُ فُعَيْل.
قلْت : وقد رُدًّ هذا القولُ أَيضاً ، كما هو مبسوطٌ في شُرُوحِ الفَصِيح ، أَو إِذَا كانَتْ مُذْ اسْماً فأَصْلُهَا مُنْذُ ، أَو حَرْفاً فهي أَصْلٌ. وهذا التفصيل هو الذي جَزَم به المالقيّ في رصف المَباني. ويُقال : مَا لَقِيتُه مُنْذَ اليَوْمِ ومُذَ اليَوْمِ ، بفتح ذالِهما ، أَو أُصْلُهما (١) مِن الجَارَّةُ ، وذُو بمعنًى الَّذي ، قال الفرّاء في مذ ومنذ : هما حَرفانِ مبنيّانِ من حرفينِ : من «مِنْ» ومن «ذو» التي بمعنى الذي في لغة طَيِّىءٍ ، فإِذا خُفِض بهما أُجرِيَتَا مُجْرَى مِنْ ، وإِذا رُفع بهما ما بعدَهما بإِضمارٍ (٢) كان في الصِّلَة كأَنَّه قال : مِن الذي هو يومانِ ، قال (٣) : وغَلَّبُوا الخَفْضَ في منذ لظهورِ النون. أَو مركب مِنْ مِنْ وإِذْ ، حُذِفت الهَمْزةُ لكثرةِ دَوَرَانِها في الكلامِ وجُعِلتْ كلمةً واحدةً فالتَقَى سَاكنانِ ، فضُمَّ الذَّالُ وقال سيبويه : مُنذ للزمانِ ، نظيرُه مِنْ للمكان ، وناسٌ يقولون إِن مُنذ في الأَصل كلمتانِ : مِن إِذ ، جُعِلتا واحدةً ، قال : وهذا القول لا دليلَ على صِحَّته ، أَوْ أَصْلُها مِنْ ذَا ، اسْم إِشَارَةٍ ، فالتقديرُ في : ما رأَيتُه مُذْ يَومانِ ، من ذا الوَقْتِ يَوْمَانِ ، وفي كلٍّ تَعَسُّفٌ وخُرُوجٌ عن الجَادَّة ، وقال ابن بُزُرْج : يقال : ما رأَيته مُذ عامِ الأَوَّلِ. وقال العَوَّامُ : مُذْ عامٍ أَوَّلَ ، وقال أَبو هلالٍ : مذ عاماً أَوَّلَ ، وقال الآخَرُ : مذ عامٌ أَوَّلَ ، ومذ عامُ الأَوَّلِ ، وقال نَجَّاد : مُذْ عامٌ أَوَّلُ ، وقال غيرُه : لم أَرَه مُذ يومانِ ، ولم أَره منذ يَومينِ ، يُرفع بمذ ويُخفض بمنْذ. وفي المحكم : مُنْذُ : تَحْدِيدُ غايَةٍ زَمَانيَّة ، النون فيها أَصلِيَّة ، رُفِعت على تَوَهُّمِ الغَايَةِ. وفي التهذيب : وقد أَجمعت العربُ على ضَمّ الذال مِن منذ إِذا كان بعدها مُتَحَرِّك أَو ساكِنٌ ، كقولك : لم أَره منذُ يَوْم ومُنْذُ اليوم ، وعلى إِسكان مُذ إِذا كان بعدها مُتَحَرِّك ، وبتحريكها بالضمّ والسكر إِذا كانت بعدها أَلِفُ وَصْلٍ ، كقولك لم أَره مُذْ يومانِ ، ولم أَره مُذُ اليوم. وقال اللِّحيانيُّ : وبنو عُبَيْدٍ من غَنِيٍّ يُحَرّكون الذالَ مِن مُذ عند المُتَحَرِّك والساكن ، ويرفَعُون ما بَعْدَها ، فيقولُون مُذُ اليَوْمُ ، وبعضهم يكسِر عند الساكنِ فيقول مُذِ اليومُ ، قال وليس بالوَجْه ، قال بعض النحويين ، ووَجْهُ جَوازِ هذا عِندي على ضَعْفِه أَنه شَبَّه ذالَ مُذ بدالِ قَدْ ولامِ هَلْ ، فكسَرَهَا حين احتاجَ إِلى ذلك ، كما كسرَ لامَ هَلْ ، ودال قَدْ ، وقال : بنو ضَبَّة والرِّبَابُ يَخْفِضُون بمذْ كُلَّ شيءٍ ، قال سيبويهِ : أَما مذْ فتكون ابتداءَ غايةِ الأَيّامِ والأَحيانِ كما كانت مِنْ فيما ذَكَرْتُ لك ، ولا تدخُل واحدةٌ مِنهما على صاحِبَتها ، وذلك قولُك : ما لَقيتُه مُذ يوم الجمعة إِلى اليوم ، ومُذْ غُدْوَة إِلى الساعة ، وما لقيته مُذ اليومِ إِلى ساعتك هذه ، فجعلت اليومَ أَوَّل غايتِك ، وأُجْرَيْتَ في بَابها كما جَرَتْ مِن ، حيث قلت مِنْ مكانِ كذا إِلى مكانِ كذا ، وتقول : ما رأَيته مذ يومينِ ، فجعلته غايةً كما قلت أَخذتُه من ذلك المكان ، فجعلْتَه غايةً ، ولم تُرِد مُنْتَهًى. هذا كلّه قولُ سيبويه ، والخلاف في ذلك مَبْسُوط في المُطَوَّلات.
[ممشذ] : * ومما استدركه شيخنا هنا : مِمْشَاذ الدِّيَنوَرِيّ ، بالكسر نَقلاً من شِعْرِ ابنِ الفارِض ، يُضرَب المثلُ بِسَهَرِه. قلت : وهو من رجال الرِّسَالَة وأَعْيَانِهم ، وله ترجمة مَبسوطَةٌ.
[موذ] : المَاذِيُّ : العَسَلُ الأَبْيضُ قال عَدِيّ بنُ زَيْدٍ العِبَادِيّ :
ومَلَابٍ قَدْ تَلَهَّيْتُ بِهَا |
|
وقَصَرْتُ اليَوْمَ فِي بَيْتِ عِذَارِ |
فِي سَمَاعٍ يَأْذَنُ الشَّيْخُ لَهُ |
|
وحَدِيثٍ مِثْلِ مَاذِيٍّ مُشَارِ (٤) |
كذا في الصحاح ، أَو الحَدِيدُ (٥) كلُّه أَو خالِصُه أَو جَيِّدُه
__________________
(١) في القاموس : «أو أصلها».
(٢) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : باضمار هو بالتنوين وقوله كان في الصلة أي كان الأضمار الخ» وعبارة التهذيب : وإذا رفع ما بعدهما أجرينا مُجرى إضمار ما كان في الصلة.
(٣) عن اللسان ، وبالأصل «قالوا».
(٤) ضبطت في الصحاح واللسان باسكان القافية «مشارْ». وبهامش المطبوعة المصرية : «قال في اللسان : مشار من أشرت العسل إذا جنيته ، يقال : شرت العسل وأشرته وشرت أكثر».
(٥) بالأصل والقاموس «الجديد» وما أثبت عن التكملة.