وأَنها كَلِمَةٌ مُسْتَقِلَّة ، ولو قال : تَخِذَ ، كعلِمَ ، لكان أَخْصَرَ وأَدَلَّ على المُرَاد ، بِمعْنَى أَخَذَ ، تَخَذاً ، مُحَرَّكَةً ، وتَخْذاً ، الأَخيرة عن كُراعَ وقُرِئَ : لَوْ شِئْتَ لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (١) بكسر الخاء ولَاتَّخَذْتَ ، قال الفرَّاءُ : قَرَأَ مُجَاهِدٌ لَتَخِذْتَ ، قال أَبو منصور : وصَحَّت هذه القَرَاءَةُ عن ابنِ عبَّاس ، وبها قرأَ أَبو عَمْرِو بنُ العلاء ، وقال أَبو زَيْدٍ ، وكذلك هو ، مكْتُوبٌ في الإِمَام (٢) ، وبه يَقْرَأُ القُرَّاءُ ، ومن قَرأَ : (لَاتَّخَذْتَ) ، بالأَلف وفتح الخاءِ فإِنه يُخَالِف الكِتَاب ، وهو أَي اتَّخَذَ افْتَعَلَ مِنْ تَخِذَ ، فأُدْغِم إِحدَى التاءَيْنِ في الأُخْرَى ، وهما التاءُ الأَصْلِيُّ وتاءُ الافتِعَالِ ، قال المُصنّف في البصائر : وهذا قولٌ حَسَنٌ ، ودَلِيله ما قاله ابنُ الأَثيرِ في شَرْحِ جامِع الأُصول ، ولم يَتَعَرَّض له في النِّهاية ، ما نَصُّه : ولَيْسَ من الأَخْذِ في شَيْءٍ ، فإِن الافتِعَالَ مِن الأُخْذِ ائْتَخَذَ. بهمزتينِ على قِيَاس ائْتَمَرَ وائْتَمَنَ ، لأَنَّ فَاءَه هَمْزَةٌ ، والهَمْزَةُ لا تُدْغَم في التاءِ ، خلافاً لقولِ الجَوْهَرِيِّ ، وهو ما نَصَّه : الاتِّخَاذُ افْتِعَال من الأَخْذِ إِلَّا أَنّه أُدْغِمَ بعد تَلْيِينِ الهمزةِ وإِبْدَالِ الياءِ تاءً ، ثم لمَّا كَثُرَ استعمالُه بِلَفْظِ الافتعالِ تَوَهَّمُوا أَصالَة التاءِ. فَبَنَوْا منه فَعِلَ يَفْعَلُ. قالُوا تَخِذَ يَتْخَذُ ، قال ابنُ الأَثِير : وأَهْلُ العربِيَّةِ على خِلافِه أَي خِلافِ ما قاله الجوهرِيُّ ، وهذه العبارَةُ هكذا في نُسْختنا ، وفي غيرِهَا كذلك ، ويوجد في بعْضِ النُّسخ هكذا : وهو افْتَعَل مِنْ تَخِذَ فأَدْغَم إِحدى التاءَين في الأُخرى وليس هو أَخَذ ، لأَن الافتعال منه ائْتَخَذ ، لأَن فاءَه همزة ، وهي لا تدغم في التاءِ. ابنُ الأَثير : وهذا ما عَليه أَهلُ العَرَبِيَّةِ خِلافاً لما قاله الجوهَرِيُّ ، وهي قَريبةٌ من الأُولى ، قال شيخُنا : وابنُ الأَثير ليس مِمَّن يُرَدُّ به كَلَامُ الجوهريِّ ، بل وأَكْثَرُ أَئمَّةِ اللُّغة ، بل كَلامُه حُجَّةٌ عليهم ، لأَنه أَعْرف ، ودَعْوَى تَلْيِينِ الهمزةِ كما اختاره هو وغَيْرُه أَوْلَى وأَصْوَبُ من مادَّةٍ غيرِ ثابتةٍ في الدَّواوينِ المَشْهُورةِ ، وأَنكَرَها الزَّجَّاجِيُّ بالكُلِّيّة ، وإِن أَثبتَها أَبو عليٍّ الفارِسيُّ ، واستدلَّ بقراءَةِ تَخِذْتَ مُخَفَّفاً ، وغير ذلك ، فقد نَازعوه ، وكلامٌ ابنِ مالكٍ صَرِيحٌ في أَنَّ مِثلَه شاذٌّ ، وأَثبتوا منه : اتَّزَرَ من الإِزار ، واتَّمَن من الأَمن ، واتَّهَل من الأَهْلِ ، وغير ذلك مما هو مبسوط في شروح التسهيل ، وأَشار إِليه ابنُ أُمِّ قاسمٍ في شرح الخُلاصة ، ثم قال : وبعْدَ صِحَّةِ ثُبوتهِ وتَسليمِ دَعْوَى أَبي عَلِيٍّ الفارِسيّ وَحْدَه وقَبُولِ اسْتِدْلالِه بالآيةِ. وقَوْل الشاعِر :
وقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي إِلَى جَنْبِ غَرْزِهَا |
|
نَسِيفاً كَأُفحُوصِ القَطَاةِ المُطَوِّقِ (٣) |
فَلا يَلْزَم الجوهَرِيَّ وَمَنْ وافقه اتِّبَاعُه ، بل يَجْرِي على قاعِدَته التي حَرَّرَهَا من التَّلْيِينِ ، بل صَرَّحُوا بأَنَّه وارِدٌ في هذا اللفظِ نفسِه ، كاتَّزَرَ وما ذُكِرَ معه ، وإِن كان شاذًّا ، فلا يَقدَح ذلك في ثُبُوتهِ واستعماله ، والله أَعلم ، ثم قال شَيْخُنَا نقلاً عن بعضِ حواشِيه : أَصْلُ اتَّخذَ بهمزتَيْنِ (٤) ، فأُبدِلت الهَمْزةُ الثانيةُ تاءً ، كما قالوا في ائْتمن وائْتزر ، والقياس إِبدالُها ياءً ، وورد هذا مع أَلفاظٍ شُذُوذاً ، وقيل : أُبدِلَتْ واواً ثم تاءً ، على القياس ، وقيل : الأَصل اوْتَخَذ ، أُبدِلت الواوُ تاءً ، على اللغَةِ الفُصْحَى ، لأَن فيه لُغَةً قَلِيلَةً أَنه يقال : وَخَذَ ، بالوَاو ، كما حكاه ابنُ أَمِّ قاسمٍ وغيرُه تَبعاً لأَبي حَيَّان ، وقد أَغفَلَه صاحِبُ القامُوس ، مع أَنه وَاردٌ مذكورٌ مشهورٌ أَعْرَفُ من تَخِذَ ، انتهى.
[ترمذ] : تِرْمِذُ كإِثْمِد ، قال شيخنا : الأَوْلَى التمثيلُ بِزِبْرِج ، لأَن التاءَ أَصليّةٌ ، ولذلك ذُكِرَتْ في بابها : ة بِبُخارَى ، وإِنما يعَبَّر بالقَرْية عن صِغَار البلاد ، وتِرْمذُ مدينةٌ عظيمة واسعة بخُراسانَ ، وقال ابنُ الأَثير : بَبلْخ ، على طَرَف جَيْحُونَ ، قال ابنُ السَّمْعَانيّ في الأَنساب : وأَهْلُ المَعرِفَة يَضُمُّون التاءَ والميمَ ، وهكذا قاله ابنُ الأَثير ، والمُتَدَاولُ عَلى لسان أَهْلِها فَتْحُ التاءِ وكَسْرُ الميمِ ، قال ابنُ الأَثير : ولكُلٍّ مَعْنًى وبَعْضُهم يَفْتَح التاءَ وبعضُهم يَضُمُّها ، وبعضهم يَكْسِرُهَا ، ولا يَخْفَى أَنه لو قال : مثلّث الأَول والثالث لكان أَخصرَ ، وفيها لغةٌ رابعة ، فتْح الأَول وكسْر الثالث ، وخامسة فتح الأَوّل وضمّ الثالث ، ولم يَذكر من نُسبَ إِليها كما هو عادته ، مع أَنهُ آكَدُ ، منها الإِمام أَبو عيسى محمّد بن عيسى بن سَوْرَةَ بن موسى بن الضّحَّاك السُّلَميّ الضرير الحافظ ، صاحب كتَاب الجامِع ، تَلْمَذَ للبخاريّ ، وشاركه في شيوخ ،
__________________
(١) سورة الكهف الآية ٧٧.
(٢) الإمام : مصحف عثمان رضياللهعنه.
(٣) نسب للمزق العبدي في اللسان (نسف).
(٤) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : أصل اتخذ بهمزتين لعله أصل اتخذ ائتخذ بهمزتين.