نَهَيْتُكَ عَنْ طِلَابِكَ أُمَّ عَمْرٍو |
|
بِعَافِيَةٍ وأَنْتَ إِذٍ صَحِيحُ |
أَراد : حينئذٍ ، كمال تقول : يَوْمئذٍ. وتَكُونُ اسْماً للزَّمنِ الماضي ، وحينئِذٍ تكون ظَرْفاً غالِباً ، كقوله تعالى : فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ (١) وتكون مَفْعُولاً به ، كقوله تعالى : وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً (٢) ، وتكون بَدَلاً من المفعول ، كقوله تعالى : وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ (مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) (٣) قالوا : إِذْ بَدَل اشتمالٍ من مَريمَ مُفعول اذْكُر. وتكون مُضَافاً إِليها اسمُ زمانٍ صالِحٌ للاسْتِغناءِ عنه مثل قولهم : يَوْمَئذٍ ولَيْلَتَئذٍ أَو اسم زمان غيرُ صالحٍ للاستغناءِ عنه ، كقوله تعالى : بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا (٤).
وتكون اسْماً للزَّمنِ المُسْتَقْبَلِ كقوله تعالى : يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٥).
وفي التهذيب : العربُ تَضَع إِذْ للمستقبل ، وإِذَا للماضي ، قال تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا) (٦) معناه إِذ يَفْزَعونَ يومَ القيامةِ ، قال الفَرَّاءُ : إِنما جازَ ذلك لأَنّه كالوَاجِب ، إِذ كان لا يُشَكُّ في مَجِيئه ، والوجه فيه «إِذا» كقوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (٧).
وتكون للتَّعْلِيلِ كقوله تعالى : وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ (أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) (٨) وقال ابنُ جِنِّي : طاوَلْتُ أَبا عَلِيٍّ رحمهالله في هذا وراجَعْتُهُ عَوْداً على بَدْءٍ ، فكانَ أَكْثَرَ ما بَرَدَ مِنْه في اليَدِ أَنَّه لما كانت الدارُ الآخِرَةُ تَلِي الدارَ الدُّنْيَا لا فَاصلَ بَيْنَهُمَا ، إِنما هي هذه فهذه ، صار ما يَقَعُ في الآخِرة كأَنَّه واقِعٌ في الدُّنْيَا ، فلذلك أُجْرِيَ اليَوْمُ وهو لِلآخِرَةِ مُجْرَى وَقْتِ الظُّلْمِ ، وهو قوله (إِذْ ظَلَمْتُمْ) ووَقْتُ الظُّلْمِ إِنما كانَ في الدُّنيا ، فإِن لم تَفْعَل هذا وتَرْتَكِبْه بَقِيَ (إِذْ ظَلَمْتُمْ) غَيْرَ مُتَعَلِّق بشيْءٍ ، فيَصير ما قَالَهُ أَبو عَلِيٍّ إِلى أَنَّه كأَنَّه أَبْدَل «إِذْ ظَلَمْتُمْ) من (الْيَوْمَ) أَو كرره عليه ، كذا في اللسان.
وقد تكون للمُفَاجَأَةِ ، وهي الوَاقِعَةُ بعدَ بَيْنَا وَبَيْنَمَا كقول ، الشاعر :
اسْتَقْدِرِ اللهَ خَيْراً وَارْضَيْنَّ بِهِ |
|
فَبَيْنَمَا العُسْرُ إِذْ دَارَتْ مَيَاسِيرُ (٩) |
وهو من قصيدة أَوَّلُهَا :
يَا قَلْبُ إِنَّك مِنْ أَسْمَاءَ مَغْرُورُ |
|
فَاذْكُرْ وهَلْ يَنْفَعَنْكَ اليَوْمَ تَذْكِيرُ |
وتفصيل مباحث «إِذ» مَبسوطٌ في مُغْنى اللبيبِ (١٠) وشُرُوحه ، فراجِعْها.
وهَلْ هُوَ ، أَي لفظ إِذ ظَرْفُ زَمَانٍ ، كما ذهبَ إِليه المبرد ، أَو ظرف مَكَانٍ ، كما ذهبَ إِليه الزَّجَّاجُ واختاره أَبو حَيَّان ، أَو حَرْفٌ بمعنى المُفَاجَأَةِ ، كما ذهب إِليه ابنُ بَرّيّ واختاره ابنُ مالك ، أَو حَرْفٌ مُؤَكِّدٌ ، أَي زائِدٌ ، كما ذهب إِليه ابنُ يَعيش ومالَ إِليه الرَّضِيّ ، أَقْوَالٌ أَربعةٌ مَبْسُوطة بأَدِلَّتِهَا في المُطَولَّاتِ ، فراجِعْهَا. وفي البصائرِ واللسانِ : وهو من حُروفِ الجَزَاءِ إِلّا أَنه لا يُجَازَى به إِلَّا مَعَ «مَا» تقول : إِذْ مَا تَأْتِني آتِكَ ، كما تقول : إِنْ تَأْتِنِي وَقْتاً آتِكَ.
قال العبَّاسُ بنُ مِرْداسٍ يَمدَح النّبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم :
يَا خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطِيَّ وَمنْ مَشَى |
|
فَوْقَ التُّرَابِ إِذَا تُعَدُّ الأَنْفُسُ |
بِكَ أَسْلَمَ الطَّاغُوتُ وَاتُّبِعَ الهُدَى |
|
وَبِكَ انْجَلَى عَنَّا الظَّلَامُ الحِنْدِسُ |
إِذْ مَا أَتَيْتَ عَلَى الرَّسُولِ فَقُلْ لَهُ : |
|
حَقًّا عَلَيْكَ إِذَا اطْمَأَنَّ المَجْلِسُ |
وفي المحكم : إِذ ظرْفٌ لِما مَضَى مِن الزمانِ ، تقول إِذْ كَانَ كَذَا ، وقوله عزوجل : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (١١) قال أَبو عبيدة : إِذْ هنا زائدةٌ ،
__________________
(١) سورة التوبة الآية ٤٠.
(٢) سورة الأعراف الآية ٨٧.
(٣) سورة مريم الآية ١٦.
(٤) سورة ال عمران الآية ٨.
(٥) سورة الزلزلة الآية ٤.
(٦) سورة سبأ الآية ٥١.
(٧) سورة الانشقاق الآية ١.
(٨) سورة الزخرف الآية ٣٩.
(٩) البيت في كتاب سيبويه ٢ / ١٥٨ وهو من قصيدة لها قصة انظر عيون الأخبار ٢ / ٣٠٥ وينسب لحريث بن جبلة ونويفع بن لقيط الفقعسي وعتير بن لبيد العذري.
(١٠) انظر مغني اللبيب طبعة بيروت ـ دار الفكر ، ص ١١١ وما بعدها.
(١١) سورة البقرة الآية ٣٠.
قال ابن هشام في مغني اللبيب : وبعض المعربين يقول في ذلك إنه