إِسحَاقَ ، اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِن أَهلِ اللغةِ : «وإِذا وَعَدْنَا» بغير أَلفٍ وقالوا : إِنما اخْتَرْنَا هذا لأَن المُوَاعَدَة إِنما تَكُونُ مِن الآدمِيّينَ ، فاختارُوا «وَعَدْنا» وقالُوا : دليلنا قولُ الله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ) (١) وما أَشبَهَه ، قال : وهذا الذي ذَكَرُوه ليس مِثْلَ هذا. وأَمّا (واعَدْنا) هذا فَجيِّدٌ ، لأَن الطَّاعَةَ في القَبُولِ بمَنْزِلةِ المُوَاعَدَةِ فهو من الله وَعْدٌ ومِن مُوسى قَبُولٌ واتِّبَاعٌ ، فَجَرَى مَجْرَى المُواعَدَة ، وقد أَشارَ له في التهذيبِ والمُحكم ، ونُقِل مثلُ ذلك عن ثَعْلَبٍ.
تكميل : قالوا : إِذا وَعَد خَيْراً فلم يَفْعَلْه قالوا : أَخْلَفَ فُلانٌ ، وهو العَيْبُ الفاحِش ، وإِذا أَوْعَدَ ولم يَفْعَلْ فذلك عندهم العَفْوُ والكَرَمُ ، ولا يُسَمُّون هذا خُلْفاً ، فإِن فَعَلَ فهو حَقُّه ، قال ثَعلبٌ : ما رَأَيْنَا أَحَداً إِلَّا وقولُه إِن اللهَ جلَّ وَعَلَا إِذا وَعَدَ وَفَى وإِذا أَوْعَدَ عَفَا ، وله أن يُعَذِّب. قاله المُطرّز في الياقُوت ، وحَكَى صاحبُ المُوعب عن أَبي عمرِو بنِ العَلَاءِ أَنه قال لعَمْرِو بن عُبَيْدٍ إِنّك جاهِلٌ بلُغةِ العَرَب ، إِنهم لا يَعُدُّونَ العَافِيَ مُخْلِفاً ، إِنما يَعُدُّون مَن وَعَدَ خَيْراً فلم يَفْعَلْ مُخْلِفاً ، ولا يَعُدُّونَ مَن وَعَدَ شَرًّا فعَفَا مُخْلِفاً ، أَمَا سَمِعْت قولَ الشاعرِ :
وَلَا يَرْهَبُ المَوْلَى ولَا العَبْدُ صَوْلَتِي |
|
وَلَا اخْتَتِي مِنْ صَوْلَةِ المُتَهَدِّدِ |
وأَنِّي وإِنْ أَوْعَدْتُه أَوْ وَعَدْتُه |
|
لَمُخْلِف إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي |
وقد أَوْسَع فيه صاحبُ المُجْمل في رِسَالةٍ مُخْتَصَّةٍ بالفَرْق بين الوَعْد والوَعِيد ، فراجِعْهَا.
واختُلِف في حُكْم الوفَاءِ بالوَعْد ، هل هو واجِبٌ أَو سُنَّة؟
أَقوالٌ. قال شيخُنَا : وأَكثرُ العلماءِ على وُجوبِ الوفَاءِ بالوَعْدِ وتَحْرِيمِ الخُلْفِ فيه ، وكانَت العرَبُ تَستَعِيبه وتَسْتقْبِحه ، وقالوا : إِخْلافُ الوَعْد من أَخلاق الوَغْد ، وقيل : الوَفَاءُ سُنَّة ، والإِخلاف مكروهٌ ، واستَشْكَلَه بعضُ العلماءِ ، وقال القاضي أَبو بكر بن العَرَبيّ بعد سَرْدِ كلامٍ : وخُلْفُ الوَعدِ كَذِبٌ ونِفاقٌ ، وإِن قَلَّ فهو مَعْصِيَةٌ ، وقد أَلَّف الحافِظُ السَّخَاويُّ في ذلك رِسَالَةً مستقِلَّة سمَّاهَا «الْتِمَاس السَّعْد في الوَفَاءِ بالوَعْد» جمعَ فيها فأَوْعَى ، وكذَا الفقيه أَحمد بن حَجَر المَكِّيّ أَلَمَّ على هذا البَحْثِ في «الزَّواحر» ، ونَقلَ حاصِلَ كلامِ السَّخاوِيّ بِرُمَّتِه ، فراجِعْه ، ثم قال شيخُنَا : وأَمَّا الإِخْلافُ في الإِيعاد الذي هو كَرَمٌ وعَفْوٌ فمُتَّفَقٌ على تَخَلُّفِه والتَمدُّحِ بِترْكه ، وإِنما اختَلَفوا في تَخَلُّفِ الوَعِيدِ بالنِّسْبَة إِليه تَعَالَى ، فأَجَازَه جَماعَة وقالُوا : هو من العَفْوِ والكَرَمِ اللائقِ به سُبْحَانَه. ومَنَعَه آخَرُونَ ، وقالوا : هو كَذِبٌ ومخَالِفٌ لِقَوْلهِ تَعالى : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) (٢) وفيه نَسْخُ الخَبَرِ ، وغير ذلك ، وصُحِّح الأَوَّلُ وقد أَورَدَهَا مبْسُوطَةً أَبو المُعِين النَّسفيّ في التَّبْصِرَة ، فراجِعْهَا ، والله أَعلَمُ.
[وغد] : الوَغْدُ : الأَحمقُ الضَّعِيفُ الخَفيفُ العقْلِ الرَّذْلُ الدَّنِيءُ الخَسِيس ، أَو هو الضَّعِيفُ جِسْماً ، وقد وَغُدَ ، ككَرُمَ ، وَغَادَةً فهو وَغْدٌ.
والوَغْدُ : الصَّبِيُّ.
والوَغْدُ : خادِمُ القَوْمِ وقد وَغَدَهم يَغِدُهُم وَغْداً : خَدَمَهم ، وقيل : هو الذي يَخْدُم بِطَعَامِ بَطْنِه. كذا في الأَساس (٣) واللسان ، وفي شَرْحِ لامِيَّة الطغْرائِيّ عند قَوْله :
مَا كُنْتُ أُوثِرُ أَنْ يَمْتَدَّ بِي زَمَنِي |
|
حَتَّى أَرَى دَوْلَةَ الأَوْغَادِ والسَّفَلِ |
قال : الأَوْغَاد : جَمْعُ وَغْدٍ ، وهو الدَّنِيءُ الذي يَخْدُم بِطَعَامِ بَطْنِه. وقيل : هو الذي يأْكُلُ ويَحْمِل ، وأَمّا الوَغْلُ ، باللام ، فهو الضعيفُ الخَامِلُ الذي لا ذِكْرَ لَه ، ج أَوْغَادٌ ووُغْدَانٌ بالضمّ ، وهذه عن الصاغانيّ ، ووِغْدَانٌ بالكَسْر ، يقال : هو من أَوْغَادِ القَوْمِ ووُغْدَانِهم ووِغْدانِهم ، أَي من أَذِلَّائِهم وضُعَفائهم.
والوَغْدُ : ثَمرُ البَاذِنجَانِ كالمَغْدِ ، وقد تقدَّم مِراراً أَن المُصنِّف لم يَذْكر الباذِنْجَان في مَوْضِعه ، كأَنّه لشُهْرَته ، وفيه تَأَمُّلٌ.
والوَغْدُ قِدْحٌ مِن سِهَام المَيْسِر لا نَصِيبَ له ، ومُقْتَضَى عِبَارَةِ الأَساس أَنه الأَصل وما عَدَاه مِن المعاني رَاجِعَةٌ إِليه ، كالدَّنِيءِ والخَسِيسِ والذَّلِيلِ والصَّبِيِّ.
ومن ذلك الوَغْدُ : العَبْدُ ، قال أَبو حاتمٍ : قلت لأُمِّ
__________________
(١) سورة ابراهيم الآية ٢٢.
(٢) سورة ق الآية ٢٩.
(٣) كذا ، والعبارة ليست في الأساس ، ولعله يريد «في الصحاح واللسان».