مَوَاعِيدَ عُرْقُوبٍ أَخَاهُ بِيَثْرِبِ (١)
قال شيخنا : ووُرُود مَفْعُولٍ مَصْدَراً من الثلاثيّ الجُمْهُورُ حَصَرُوه في السَّمَاعِ ، وَقَصْروه على الوارِد ، وأَبو الخَطَّابِ الأَخفشُ الكبيرُ في جَمَاعَةٍ قاسُوه في الثُّلاثيِّ ، كما قاس الكل اسْمَ مَفعولٍ مَصْدَراً في غيرِ الثلاثيِّ ، على ما عُرِف في الصَّرْف.
ووَعَدَه خَيْراً وشَرًّا ، فَيُنْصَبَانِ على المفعوليَّة المُطلقَة ، وقيل ، على إِسقَاط الجَارِّ ، والصوابُ الأَوّل ، كما حَقَّقَه شيخُنَا ، وعبارَة الفَصِيح : وَعَدْت الرجُلَ خيراً وشَرًّا. قال شُرَّاحُه : أَي مَنَّيْتُه بهما ، قال الله تعالى في الخير : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٢) ومثلُه كَثِيرٌ ، وقال في الشَّرِّ : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٣) وأَنْشَدُوا :
إِذَا وَعَدَتْ شَرّاً أَتَى قَبْلَ وَقَتِهِ |
|
وَإِنْ وَعَدَتْ خَيْراً أَرَاثَ وعَتَّمَا |
قلت : وصَرَّح الزمخشريّ في الأَساس بأَن قولَهم : وَعَدْتُه شَرًّا ، وكذا قول الله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) (٤) من المَجاز ، فَإِذا أُسْقِطَا أَي الخير والشَّرّ قِيلَ في الخَيْرِ وَعَدَ ، بلا أَلف ، وفي الشَّرِّ أَوْعَدَ ، بالأَلف ، قاله المُطرّز ، وحكاه القُتَيْبِيّ عن الفرَّاءِ ، وقال اللَّبْلِيّ في شَرْح الفَصِيح : وهذا هو المَشْهُورُ عند أَئِمَّةِ اللغةِ. وفي التهذيب : كلامُ العَرَب : وَعَدْتُ الرجُلَ خَيْراً ، ووعَدْتُه شَرًّا ، وأَوْعَدْتُه خَيْراً ، وأَوْعَدْتُه شَرًّا ، فإِذا لم يَذْكُرُوا الخَيْرَ قالُوا وَعَدْتُه ، ولم يُدْخِلُوا أَلِفاً ، وإِذا لم يَذْكروا الشّرَّ قَالُوا أَوْعَدْتُه ولم يُسْقِطُوا الأَلف ، وأَنْشَدَ لِعَامِرِ بنِ الطفَيْل :
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُه أَوْ وَعَدْتُهُ |
|
لأَخْلِفُ إِيعَادِي وأُنْجِزُ مَوْعِدِي |
وقالوا : أَوْعَدَ الخَيْرَ ، حكاه ابنُ سِيدَه عن ابنِ الأَعرابِيِّ ، وهو نادِرٌ ، وأَنشد :
يَبْسُطُنِي مَرَّةً ويُوعِدُنِي |
|
فَضْلاً طَرِيفاً إِلى أَيَادِيه |
وأَوْعَدَه بالشَّرِّ ، أَي إِذا أدخلوا (٥) الباءَ لم يكن إِلَّا في الشَّرِّ ، كقولك : أَوْعَدْتُه بالضَّرْبِ ، وعبارةُ الفَصِيحِ : فإِذا أَدْخَلْتَ الباءَ قُلْتَ : أَوْعَدْتُه بِكَذا وكَذَا ، تَعْنِي مِن الوَعِيد ، قال شُرَّاحُه : معناه أَنهم إِذا أَدْخَلوا الباءَ أَتَوْا بالأَلفِ مَعَهَا ، فقالوا ، أَوْعَدْتُه : بِكَذَا ، ولا تَدْخُلُ البَاءُ في وَعَدَ بغيرِ أَلِفٍ ، فلا تَقُلْ وَعَدْتُه بِخَيْرٍ وبِشَرٍّ وعلى هذا القولِ أَكثَرُ أَهلِ اللغةِ. قلت : وفي المحكم : وفي الخَيْرِ الوَعْدُ والعِدَةُ ، وفي الشرِّ الإِيعادُ والوَعِيدُ ، فإِذا قالوا أَوْعَدْتُه بالشرّ أَثبتُوا الأَلِفَ مع الباءِ ، وأَنْشَد لبعْضِ الرُّجَّازِ :
أَوْعَدَنِي بِالسِّجْنِ والأَدَاهِمِ |
|
رِجْلِي وَرِجْلِي شَثْنَةُ المَنَاسِمِ |
قال الجوهريُّ : تقديرُه أَوْعَدَني بالسِّجْنِ ، وأَوْعَدَ رِجْلِي بالأَدَاهِم ، ورِجْلي شَثْنَةٌ ، أَي قَوِيَّة على القَيْدِ. قلت ، وحكَى ابنُ القُوطِيَّة ، وَعَدْتُهُ خَيْراً وشَرًّا ، وبِخَيْر وبِشَرٍّ ، فعلى هذا لا تَخْتَصُّ الباءُ بأَوْعَدَ ، بل تكون مَعَهَا ومع وَعَدَ ، فتقول : أَوْعَدْته بِشرٍّ ، ووعَدْته بِخَيْرٍ ، لكن الأَكْثَر ما مَرَّ.
وحكى قُطْرُب في كِتاب فَعَلْت وأَفعلْت : وَعَدْت الرَّجُلَ خَيْراً ، وأَوْعَدْته خَيْراً ، ووَعَدْتُه شَرًّا ، وأَوْعَدْتُه شَرًّا.
والمِيعَادُ : وَقْتُه ومَوْضِعُه وكذا المُواعَدَةُ يكون وقتاً ومَوْضِعاً ، قال الجوهَرِيُّ ، وكذلك المَوْعِدُ ، أَي يكون وَفْتاً ومَوْضِعاً وفي الأساس : وهذا الوَقْتُ والمَكَانُ مِيعَادُهم ومَوْعِدُهُم.
وتَوَاعَدُوا واتَّعَدُوا بمعنًى واحدٍ ، أَو الأُولَى في الخَيْرِ ، والثانِيةُ في الشَّرِّ ، وهذا الفَرْقُ هو المَشْهورُ الذي عليه الجُمهُورُ ، ففي اللّسَانِ : اتَّعَدْت الرَّجُلَ ، إِذا أَوْعَدْتَه ، قال الأَعْشي :
فَإِنْ تَتَّعِدْنِي أَتَّعِدْكَ بِمِثْلِهَا (٦)
وقال أَبو الهيثم : أَوْعَدْت الرجُلَ أُوعِدُه إِيعَاداً ، وتَوَعَّدْتُه تَوَعُّداً. واتَّعَدْت اتِّعَاداً ، ووَاعَدَه الوَقْتَ والمَوْضِعَ. وواعَدَه فَوَعَدَه : كَانَ أَكْثَرَ وَعْداً مِنه ، وقال أَبو مُعاذٍ : وَاعَدْتُ زَيْداً ،
__________________
(١) البيت في معجم البلدان (يترب) وصدره :
وعدتِ وكان الخلف منك سجيةً
(٢) سورة الفتح الآية ٢٩.
(٣) سورة الحج الآية ٧٢.
(٤) سورة البقرة الآية ٢٦٨.
(٥) في المطبوعة الكويتية «أخلوا» تحريف.
(٦) ديوانه ، وعجزه :
وسوف أزيد الباقيات القوارصا