والوَحِيدَةُ : من أَعْرَاضِ المَدِينَة ، على مُشْرِّفها أَفضْلُ الصلاةِ والسلامِ ، بَيْنَها وبينَ مَكَّة زِيدَتْ شَرَفاً ، قال ابنُ هَرْمَةَ :
أَدَارَ سُلَيْمَى بِالوَحِيدَةِ فَالغَمْرِ |
|
أَبِينِي سَقَاكِ القَطْرُ مِنْ مَنْزِلٍ قَفْرِ |
ويقال : فَعَلَه مِنْ ذاتِ حِدَتِه ، وعلى ذاتِ حِدَتِه ، ومن ذِي حِدَتِه ، أَي مِن ذاتِ نَفْسِه وذاتِ رَأْيِه ، قاله أَبو زيد ، وتقول : ذلك أَمْرٌ لَسْتُ فيه بِأَوْحَدَ ، أَي لا أُخَصُّ به ، وفي التهذيب : أَي لَسْتُ عَلَى حِدَةٍ ، وفي الصحاح : ويقال : لَسْتُ في هذا الأَمْرِ بأَوْحَدَ ، ولا يُقَال للأُنْثَى وَحْدَاءُ ، انتهى : وقيل : أَي لَسْتُ بِعَادِمٍ فيه مِثْلاً أَو عِدْلاً ، وأَنْشَدَنا شيخُنَا المَرحوم مُحمّد بن الطيِّب قال : أَنْشدَنَا أَبو عبد الله مُحَمّد بن المسناويّ قال : مما قَالَه الإِمام الشَّافِعِيُّ رضياللهعنه مُعَرِّضاً بأَنّ الإِمَامَ أَشْهَبَ رحمهالله يَتَمَنَّى مَوْتَه :
تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ فَإِنْ أَمُتْ |
|
فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيها بِأَوْحَدِ |
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي خِلَافَ الَّذِي مَضَى |
|
تَهَيَّأْ لِأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَنْ قَدِ |
قلتُ : ويُجْمَع الأَوْحَدُ على أُحْدَانٍ ، مثل أَسْوَدَ وسُودَانٍ ، قال الكُمَيْت :
فَبَاكَرَهُ والشَّمْسُ لَمْ يَبْدُ قَرْنُهَا |
|
بِأُحْدَانِه المُسْتَوْلِغَاتِ المُكَلِّبُ |
يَعْنِي كِلَابه التي لا مِثْلُهَا كِلَابٌ ، أَي هي واحِدَةُ الكِلابِ.
وفي المحكم : وفُلَانٌ لا وَاحِدَ له ، أَي لا نَظِيرَ له.
ولا يَقُوم لهذا الأَمْرِ إِلَّا ابْنُ إِحْدَاها ، يقال : هو ابنُ إِحْدَاهَا ، إِذا كان كَرِيم الآباءِ والأُمَّهَاتِ مِن الرِّجَالِ والإِبِلِ ، وقال أَبو زيد : لا يَقُومُ بهذا الأَمْرِ إِلَّا ابنُ إِحْدَاها ، أَي الكَرِيمُ مِن الرِّجَالِ. وفي النوادر : لا يَستطِيعُها إِلَّا ابنُ إِحْدَاتِها ، يعني إِلَّا ابْنُ وَاحِدَة منها.
وَوَاحِدُ الآحَادِ ، وإِحدى الإِحَدِ ، وواحد الأَحَدِينَ ، وأَن أَحَداً تَصغيره أُحَيْد ، وتَصْغِير إِحْدَى أُحَيْدَى مَرَّ ذِكْرُه في أَ ح د واختار المُصنِّف تَبعاً لشيخِه أَبي حَيَّان أَن الأَحَد مِن مادة الوَحْدَة كما حَرَّرَه ، وأَن التفرِقَة إِنما هي في المَعاني ، وجَزَم أَقوامٌ بأَن الأَحَدَ من مادَّة الهَمزة ، وأَنه لا بَدَلَ ، قاله شيخُنا.
وَنَسِيجُ وَحْدِه ، مَدْحٌ. وعُيَيْرُ وَحْدِه وجُحَيْشُ وَحْدِه ، كلاهما ذَمٌّ ، الأَوَّل كأَمِيرٍ ، والاثنانِ بعْدَه تَصْغِيرُ عَيْرٍ وجَحْش ، وكذلك رُجَيْلُ وَحْدِه ، وقد ذَكرَ الكُلَّ أَهْلُ الأَمْثَال ، وكذلك المصنِّف ، فقد ذَكَرَ كُلَّ كَلِمَةٍ في بَابِها ، وكُلُّهَا مَجَازٌ ، كما صَرَّحَ به الزمخشريُّ وغيرُه ، قال الليثُ : الوَحْدُ في كُلِّ شَيْءٍ مَنصوبٌ [لأنه] (١) جَرَى مَجْرَى المَصْدَرِ خارِجاً مِن الوَصْفِ ليس بِنَعْتٍ فيَتْبَع الاسْمَ ، ولا بِخَبَرٍ فيُقْصَد إِليه ، فكانَ النَّصْب أَوْلَى به ، إِلّا أَنّ العَرَب أَضافَتْ إِليه فقالَتْ : هو نَسِيجُ وَحْدِه ، وهما نَسِيجاً وَحْدِهما ، وهُمْ نَسِيجُو (٢) وَحْدِهم ، وهي نَسِيجَةُ وَحْدِهَا ، وهُنَّ نَسَائِجُ وَحْدِهِنَّ ، وهو الرَّجُلُ المُصِيبُ الرَّأْيِ ، قال : وكذلك قَرِيعُ وَحْدِه ، وهو الذي لا يُقَارِعُه في الفَضْلِ أَحدٌ. وقال هِشَامٌ والفَرَّاءُ : نَسِيجُ وَحْدِه ، وعُيَيْرُ وَحْدِه ، ووَاحِدُ أُمِّهِ ، نَكِرَاتٌ ، الدَّليلُ على هذا أَنَّ العَرَب تقولُ : رُبَّ نَسِيجِ وَحْدِه قد رأَيْتُ ، ورُبَّ وَاحِدِ أُمِّه قَدْ أَسَرْت ، قال حاتِمٌ :
أَماوِيَّ إِنِّي رُبَّ وَاحِدِ أُمِّهِ |
|
أَخَذْتُ وَلَا قَتْلٌ عَلَيْهِ ولا أَسْرُ |
وقال أَبو عُبَيْدٍ في قولِ عائشةَ وَوَصْفِها عُمَرَ ، رضياللهعنهما : «كَان وَاللهِ أَحْوَذِيًّا نَسِيجَ وَحْدِه» تَعْنِي أَنَّه ليس له شِبْهٌ في رَأْيِه وجَمِيعِ أُمورِه (٣). قال : والعرب تَنْصِبُ وَحْده في الكلام كُلِّه لا تَرْفَعُه ولا تَخْفِضُه إِلا في ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ : نَسِيجُ وَحْدِه ، وعُيَيْرُ وَحْدِه ، وجُحَيْشُ وَحْدِه ، قال شَمِرٌ : أَمَّا نَسِيجُ وَحْدِه فَمَدْحٌ (٤) ، وأَمّا جُحَيْشُ وَحْدِه وعُيَيْرُ وَحْدِه فمَوْضوعانِ مَوْضِعَ الذَّمِّ ، وهما اللذانِ لا يُشَاوِرَانِ أَحَداً ولا يُخَالِطَانِ ، وفيهما مع ذلِك مهَانَةٌ وضَعْفٌ ، وقال غيرُه : معنَى قَوْلِه : نَسِيجُ وَحْدِه أَنَّه لا ثَانِيَ له ، وأَصْلُه الثَّوْبُ الذي لا يُسْدَى على سَدَاه لِرِقَّتِه (٥) غَيْرُهُ مِن الثِّيَابِ ، وعن ابنِ
__________________
(١) زيادة عن التهذيب ، والنص فيه.
(٢) في التهذيب واللسان : نسجاء.
(٣) الأصل واللسان ، وفي التهذيب : أمره.
(٤) كذا بالأصل واللسان ، وفي التهذيب : فمحمودٌ.
(٥) في التهذيب : «لا يسدى على سداه غيرُه من الثياب لدقته» كذا.