والقول الأَخير قاله ابنُ القَطَّاع في الأَفعال له ، وأَنشد البيت ، قال أَبو عبيدة (١) : الإِقواءُ نُقْصَانُ الحُرُوفِ من الفاصلة فَتَنْقُص مِن عَرُوض البيت قُوَّةٌ ، وكان الخليلُ يُسَمِّي هذا : المُقْعَدَ ، قال أَبو منصورٍ : هذا صحيحٌ عن الخليل ، وهذا غيرُ الزِّحافِ ، وهو عَيْبٌ في الشِّعْر ، والزِّحَافُ ليس بعَيْب. ونقلَ شيخُنا عن علماءِ القوافي أَنّ الإِقْعَادَ عِبَارَةٌ عن اختلافِ العَرُوض مِن بَحْرِ الكامِل ، وخَصُّوه به لكثرةِ حَرَكاتِ أَجزائه ، ثم أَقامَ النَّكِير على المُصَنِّف بأَن الذي ذَهَبَ إِليه لم يُصَرِّحْ به أَحدٌ من الأَئمّة ، وأَنه أَدْخَل في كِتابه مِن الزِّيادَة المُفْسِدة التي يَنْبَغِي اجتنابُها ، إِذ لم يَعْرِفْ مَعناها ، ولا فَتَحَ لهم بابَها ، وهذا مع ما أَسْبَقْنَا النَّقْلَ عن أَبي عُبَيْدَة والخَليلِ وهُمَا هُمَا مِمَا يَقْضِي به العَجَبُ ، والله تعالَى يُسامِح الجميعَ بفَضْلِه وكَرَمِه آمِين.
والمُقْعَدُ اسم رَجُل كانَ يَرِيشُ السِّهَامَ بالمَدينة ، وكان مُقْعَداً ، قال عاصِم بنُ ثابِتٍ الأَنصاريُّ رضياللهعنه ، حين لَقِيَه المُشْرِكون ورَمَوْه بالنَّبْل :
أَبُو سُلَيْمَانَ وَرِيشُ المُقْعَدِ |
|
وَمُجْنَأٌ مِنْ مَسْكِ ثَوْرٍ أَجْرَدِ (٢) |
وَضَالَةٌ مِثْلُ الجَحِيمِ المُوقَدِ |
|
وصَارِمٌ ذُو رَوْنَقٍ مُهَنَّدِ |
وإِنما خُفِض مُهَنَّد على الجِوار أَو الإِقواءِ (٣) ، أَي أَنا أَبو سليمان ، ومعي سِهامٌ رَاشَهَا المُقْعَدُ. فما عُذْرِي أَن لا أُقاتل؟ قال الصاغانيّ : ويُرْوَى المُعْقَد ، بتقديم العين وقيل : المُقْعَدُ : فَرْخُ النَّسْرِ ، ورِيشُه أَجْوَدُ الرِّيشِ ، قاله أَبو العباس ، نقلاً عن ابنِ الأَعرابيّ وقيل : المُقْعَد : النَّسْرُ الذي قُشِبَ له فصِيدَ وأُخِذَ رِيشُه وقيل : المُقْعَدُ : فَرْخُ كُلِّ طائر لَمْ يَسْتَقِلَّ ، كالمُقَعْدِدِ ، فيهما أَي في النَّسْرِ وفَرْخِهِ ، والذي ثَبتَ عن كُراع : المُقَعْدَدُ (٤) : فَرْخ النَّسرِ.
ومن المَجاز : المُقْعَدُ مِن الثَّدْيِ : الناتئُ على النَّحْرِ مِلْءَ الكَفِّ ، النَّاهِدُ الذي لم يَنْثَنِ بَعْدُ ولم يَتَكَسَّرْ (٥) ، قال النابِغَة :
والبَطْنُ ذُو عُكَنٍ لَطِيفٌ طَيُّهُ |
|
والإِتْبُ تَنْفُجُه بِثَدْيٍ مُقْعَدِ |
ومن المجاز رَجُلٌ مُقْعَدُ الأَنْفِ إِذا كان في مَنْخِرَيْهِ سَعَةٌ وقِصَرٌ.
والمُقْعَدَةُ بهاءٍ : الدَّوْخَلَّةُ مِنَ الخُوصِ ، نقله الصاغانيّ. والمُقْعَدَة : بئر (٦) حُفِرَتْ فَلَمْ يَنْبَطْ مَاؤُها وتُرِكَتْ ، وهي المُسْهَبَةُ عندهم.
والمُقْعَدَانُ (٧) ، بالضمّ : شَجرةٌ تَنْبُتُ نَبَاتَ المَقِرِ ولا مَرارةَ لها ، يَخرُجُ في وَسَطِها قَضيبٌ يَطولُ قامَةً ، وفي رأْسِهَا مثْل ثَمَرَة العَرْعَرةِ صُلْبَةٌ حمراءُ يتَرامَى بها الصِّبيَانُ ولا تُرْعَى.
قاله أَبو حنيفة.
وعن ابن الأَعرابيّ : حَدَّدَ شَفْرَتَه حَتَّى قَعَدَتْ كأَنَّهَا حَرْبَةٌ ، أَي صَارَتْ وهو مَجازٌ. ولما غفلَ عنه شيخُنَا جعَلَه في آخرِ المادّة من المُسْتَدْرَكَات.
وقال ابن الأَعْرَابيّ أَيضاً ثَوْبَكَ لا تَقْعُدْ تَطِيرُ به الرِّيحُ ، أَي لا تَصِيرُ الرِّيحُ طائرَةً بهِ ونَصب ثوبَكَ بفعلٍ مُضْمَر ، أَي احفظْ ثوبَك وقال أَيضاً : قعَدَ لا يسْأَله أَحدٌ حاجَةً إِلَّا قَضَاهَا. ولم يُفَسِّره ، فإِن عنَى به صارَ فقد تَقدَّم لها هذه النظائر ، واسْتَغْنى بتفسير تلكَ النظائرِ عن تفسيرِ هذه ، وإِن كان عنَى القُعُودَ فلا معنَى له ، لأَن القُعُود ليست حالٌ أَوْلَى به مِن حالٍ ، أَلَا ترَى أَنك تقول : قَعَدَ لا يَمُرُّ به أَحَدٌ إِلَّا يَسبُّه ، وقَعَدَ لا يَسْأَلُه سائلٌ إِلَّا حَرَمَه ، وغير ذلك مما يُخْبَر به من أَحوالِ القاعد ، وإِنما هو كقولِك : قَامَ لا يُسْأَلُ حاجَةً إِلَّا قَضاها. قلت. وسيأْتي في المستدركات ما يتعلَّق به.
والقُعْدَةُ ، بالضمّ : الحِمَارُ ، ج قُعْدَاتٌ ، بضمّ فسكون ، قال عُرْوَة بن مَعدِيكربَ :
سَيْباً عَلَى القُعْدَاتِ تَخْفِقُ فَوْقَهُمْ |
|
رَايَاتُ أَبْيَضَ كالفَنِيقِ هِجَانِ |
__________________
(١) في اللسان : «أبو عبيد» والصواب ما أثبت ففي التهذيب : قال أبو عبيد : قال أبو عبيدة.
(٢) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله «ومجنأ» في التكملة : ووتر».
(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : أو الإقواء ، الصواب ولا إقواء كما هو ظاهر.
(٤) المُقَعْدَدُ بفتح الدال الأولى ، هكذا خطبت في اللسان.
(٥) في الأساس : ثدي مقعد : ملء الكف ناهد لا ينكسر.
(٦) القاموس : والبئر.
(٧) على هامش القاموس عن نسخة أخرى : والمُقْعَداتُ.