النُّسخ بالإِفراد ، وفي بعض الأُمهات (١) : جَناحَاه بَعْدُ.
والقَعِيد : الأَبُ ، ومنه قولهم قَعِيدَكَ لَتَفْعَلَنَّ كذا ، أَي بِأَبِيكَ قال شيخنا : هو مِن غَرائِبه انفرَدَ بِهَا ، كحَمْلِه في القَسَم على ذلك ، فإِنه لم يَذْكُره أَحدٌ في معنى القَسَمِ وما يتعلّق به ، وإِنما قالوا إِنه مَصْدَر كعَمْرِ اللهِ. قلت : وهذا الذي قاله المصنّف قولُ أَبي عُبَيْدٍ. ونَسَبَه إِلى عَلْيَاءِ مُضَرَ وفسَّره هكذا. وتَحَامُلُ شيخِنا عليه في غيرِ مَحلّه ، مع أَنه نقل قول أَبي عُبَيْدٍ فيما بعْدُ ، ولم يُتَمِّمْه ، فإِنه قالَ بعد قوله عَلْياء مُضَر : تقولُ قَعِيدَك لتَفْعَلَنَّ. القَعِيدُ : الأَبُ ، فحذف آخِرَ كلامِه. وهذا عجيبٌ. وقولهم قَعِيدَك الله لا أَفعل ذلك وقِعْدَك الله ، بالكَسْرِ ، ويقال بالفتح أَيضاً ، كما ضَبَطَه الرَّضِيُّ وغيرُه ، قال مُتَمِّم بنُ نُوَيْرةَ :
قَعِيدَكِ أَنْ لا تُسْمِعِيني مَلَامَةً |
|
ولا تَنْكَئِي قَرْحَ الفُؤَاد فَيَيجَعَا |
استعطافٌ لا قَسَمٌ ، قال ابنُ بَرِّيٍّ في الحواشِي في تَرْجَمَةِ وجع في بَيت مُتَمّم السابِق ، وقال : كذا قالَه أَبو عليٍّ ، ثم قال : بِدليل أَنّه لم يَجِئْ جَوابُ القَسَمِ. ونصُّ عبارَة أَبي عَلِيٍّ : والدليلُ على أَنه ليس بقَسم كَوْنُه لم يُجَبْ بِجَوابِ القَسَمِ. وهو أَي قَعيدَك الله مَصْدَرٌ واقِعٌ مَوْقِعَ الفِعْل بمنزلَة عَمْرَكَ الله في كونِه يَنْتَصِب انتصابَ المَصَادِرِ الواقِعَةِ مَوْقِعَ الفِعْلِ أَي عَمَرْتُكَ الله ، ومعناه : سأَلْتُ الله تَعْمِيرَكَ ، وكذلك قِعْدُكَ الله بالكسر تَقْديره قِعْدك (٢) الله ، هكذا في سائر النّسخ. ونصّ عبارة أَبي عَليٍّ : قَعَّدْتُك اللهَ أَي سأَلتُ الله حِفظَك ، من قوله تعالى : عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (٣) أَي حفيظ ، انتهت عبارَةُ ابْنِ بَرِّيّ نقلاً عن أَبي عَلِيّ. فإِذا عَرَفْتَ ذلك فقولُ شيخِنا : وقولُه استعطاف لا قَسَمٌ مُخَالِفٌ للجمهور ، تَعَصُّبٌ على المصنّف وقُصُور.
وقال أَبو الهَيْثم : القَعِيدُ : المُقَاعِدُ الذي يُصاحِبك في قُعُودِك ، فَعِيل بمعنى مُفَاعِل ، وقَاعَدَ الرجُلَ : قَعَدَ معه ، وأَنشد للفرزدق :
قَعِيدَكُما اللهَ الذي أَنْتُمَا لَه |
|
أَلَمْ تَسْمَعَا بِالبَيْضَتَيْنِ المُنَاديَا (٤) |
والقَعِيد : الحَافِظ ، للواحِدِ والجَمْعِ والمُذكّر والمُؤنَّث بلفظٍ واحِدٍ ، وهما قَعِيدَانِ وفَعِيلٌ وفَعُول ممَّا يَستوِي فيه الواحِدُ والاثنانِ والجمعُ ، كقوله تعالى : (إِنّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٥) وكقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (٦) وبه فسِّر قولُه تَعالَى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) (٧) وقال النحويّون : معناه : عن اليَمِين قَعِيدٌ وعن الشِّمالِ قَعِيدٌ ، فاكْتُفِى بذِكْرِ الواحدِ عن صاحِبِه (٨) ، وله أَمثِلَةٌ وشواهدُ. راجع في اللسان (٨) وأَنشد الكسائيُّ لِقُرَيْبَةَ الأَعرابيّة (٩).
قَعِيدَكِ عَمْرَ اللهِ يا بِنْتَ مَالِكٍ |
|
أَلَمْ تَعْلَمِينَا نِعْمَ مَأْوَى المُعَصِّبِ |
قال : ولم أَسْمَعْ بيتاً اجْتَمَع فيه العَمْرُ والقَعِيد إِلّا هذا.
وقال ثعلبٌ : إِذا قُلْتَ قَعِيدَكُما اللهَ. جاءَ مَعه الاستفهامُ واليمين ، فالاستفهامُ كقوله : قَعِيدَكُما اللهَ أَلَمْ يَكنْ كَذا وكذا؟ وأَنشد قَوْلَ الفَرزدقِ السابِقَ ذِكْرُه. والقَسمُ قَعِيدَكَ اللهَ لأُكْرِمَنَّكَ ، ويقال : قعِيدَكَ اللهَ لا تَفْعَلْ كذا ، وقَعْدَكَ اللهَ بفتح القافِ ، وأَمَّا قِعْدَكَ فلا أَعْرفه ، ويقال : قَعَدَ قَعْداً وقُعُوداً ، وأَنشد :
فَقَعْدَكِ أَنْ لَا تُسْمِعِيني مَلَامَةً
وقال الجوهريّ : هي يَمِينٌ للعربِ وهي مصادرُ استُعْمِلت مَنصوبةً بفعْلٍ مُضمَرٍ.
__________________
(١) وهي عبارة ، و «جناحه» رواية الصحاح.
(٢) في القاموس : «وكذلك قِعدُكَ الله تقديره قَعَدَتُكَ الله». وكذلك قِعدَك الله ضبطت عن اللسان.
(٣) سورة ق الآية ١٧.
(٤) يقول : أينما قعدت فأنت مقاعد لله ، أي هو معك.
(٥) سورة الشعراء الآية ١٦.
(٦) سورة التحريم الآية ٤.
(٧) سورة ق الآية ١٦.
(٨) قال في اللسان : ومنه قول الشاعر :
نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرأي مختلف |
ولم يقل راضيان ولا راضون ، أراد نحن بما عندنا راضوان وأنت بما عندك راضٍ ، ومثله قول الفرزدق :
إني ضمنت لمن أتاني ما جنى |
|
وأتى وكان وكنت غير غدور |
ولم يقل غدورين.
(٩) في التهذيب واللسان : وأنشد غيره عن قريبة الأعرابية.