لِكَذا ، أَي فيه فَسادٌ ، قال الشاعر :
إِنَّ الشَّبَابَ والفَرَاغَ والجِدَهْ |
|
مَفْسَدةٌ للعَقْلِ أَيُّ مَفْسَدهْ |
وفي الخَبَرِ أَنَّ عبْدَ المَلِكِ بنَ مَرْوانَ أَشْرَف على أَصحابه ، وهم يَذكُرون سيرَةَ عُمَرَ ، فغاظَهُ ذلك ، فقال : «إِيهاً عن ذِكْرِ عُمَرَ ، فإِنه إِزراءٌ على الوُلاةِ ، مَفْسَدةٌ للرَّعِيَّة».
وعدَّى إِيهاً بِعَنْ لأَنْ فيه معنَى : انتهُوا.
وفَسَّدَه تَفْسِيداً أَفْسَدَهُ وأَبارَهُ ، قال أَبو جُنْدَبٍ الهُذَليُّ :
وقلتُ لَهُمْ قدْ أَدْرَكَتْكُمْ كَتِيبَةٌ |
|
مُفْسِّدَةُ الأَدبارِ ما لمْ تُخَفَّرِ |
أَي إِذا شَدَّت على قَومٍ قَطَعَتْ أَدْبَارَهم ، ما لم تُخَفَّرِ الأَدْبَارُ ، أَي ما لم تُمْنَع.
وتفاسَدُوا : قَطَعُوا الأَرْحَامَ وتَدَابَرُوا ، قال :
يَمْدُدْنَ بالثُّدِيِّ في المَجَاسِد |
|
إِلى (١) الرِّجَالِ خَشْيَةَ التَّفَاسُدِ |
يقول : يُخْرِجْنَ ثُدِيَّهُنَّ ، يَقُلْن : نَنْشُدُكُم اللهَ إِلَّا حَمَيْتُمُونَا ، يُحَرِّضْنَ بذلكَ الرِّجالَ.
واسْتفْسَدَ فلانٌ إِلى فلانٍ : ضِدُّ استصْلَحَ ، واستَفْسَدَ السُّلطانُ قائِدَه ، إِذا أَساءَ إِليه (٢) ، حَتِّى استَعْصَى عليه.
وفي الحديث : «كَرِه عَشْرَ خِلالٍ ، منها إِفسادُ الصَّبِيِّ ، غَيْرَ مُحَرِّمِهِ» هو أَن يطأَ المَرْأَةَ المُرْضِعَ فإِذا حَمَلَتْ فَسَدَ لَبَنُهَا ، وكان من ذلك فَسادُ الصَّبِيِّ ، وتُسمَّى الغِيلَة وقوله : غير مُحَرِّمِهِ ، أَي أَنه كَرِهَهُ ولم يَبْلُغْ به حَدَّ التَّحْرِيم.
وبَقِيَ من الأُمورِ المشهورةِ : حَرْبُ الفَسَادِ ، وهي حَرْبٌ كانت بين بني شك (٣) وغَوْث من طيّئ ، سُمِّيَت بذلك لأَن هؤلاءِ خَصَفُوا نِعَالَهُم بآذان هؤلاءِ ، وهؤلاءِ شَرِبُوا الشَّرَابَ بأَقْحافِ هؤلاءِ. ومن سَجَعَات الأَساس : من كَثُرتْ مَفَاسِدُه ، ظَهَرَتْ مَسَافِدُه (٤).
وفلانٌ يُفَاسِدُ رَهْطَهُ.
[فصد] : فَصَد يَفْصِد ، بالكسر ، فَصْداً ، بفتح فسكون ، وفِصَاداً ، بالكسر ، وهذه عن الصاغانيّ ـ قال شيخُنَا : وقولُ العامّةِ : الفِصَادَة بالهاءِ ، ليسَ من كلامِ العرب ـ وافْتَصَدَ : شَقَّ العِرْقَ ، وهو مَفْصُودٌ وفَصِيدٌ ، وفَصَد النَّاقَةَ : شَقَّ عَرْقَها ليَسْتَخْرِجَ دَمَهُ فَيَشْرَبَه.
وقال الليثُ : الفَصْد قطعُ العُروقِ ، وافتَصَد فلانٌ ، إِذا قَطَعَ عِرْقَه فَفَصَدَ ، وقد فَصَدَتْ وافتَصَدَتْ.
ويقال : فَصَدَ له عَطَاءً ، أَي قَطَع له وأَمْضَاهُ يَفْصِده فَصْداً.
ويُحْكَى أَنه باتَ رَجُلانِ عِنْدَ أَعْرَابِيٍّ فالْتَقَيَا صَباحاً ، فسأَلَ أَحدُهما صاحِبَهُ عن القِرَى ، فقال : ما قُرِيتُ ، وإِنَّمَا فُصِدَ لي ، فقال الرَّجُلُ : لم يُحْرَمْ مَنْ فُصْدَ له ، بسكون الصاد ، فجَرَى ذلك مَثَلاً وسَكَّنَ الصادَ تَخْفِيفاً ، كما قالوا في ضُرِب : ضُرْب ، وفي قُتِلَ : قُتْلَ ، كقول أَبي النَّجْم :
لَوْ عُصْرَ منه البَانُ والمِسْكُ انعَصَرْ
ويروَى مَنْ فُزْدَ لَه ، بالزَّايِ ، بدلَ الصَّادَ لَمَّا سَكَنَتْ ضَعُفَتْ ، فضارَعُوا بها الدَّال الّتي بعدَهَا بأَن قَلَبُوها إِلى أَشْبَهِ الحُرُوف بالدَّال من مخْرَج الصَّادِ ، وهو الزّاي ، لأَنَّها مجهورةٌ ، كما أَنّ الدَّال مجهورةٌ ، فإِن تَحَرَّكت الصّادُ هُنا لم يَجُز البدلُ فيها ، وذلك نحو : صَدَر وصَدَف ، لا تقولُ فيه زَدَرَ ، ولا زَدَفَ ، وذلك أَنَّ الحَرَكَةَ قَوَّت الحَرْفَ وحَصَّنَتْه فأَبْعَدَتْه من الانْقِلاب ، بل قد يجوز فيها إِذا تَحَرَّكتْ أَشمامُها رائحةَ الزّايِ ، فأَمّا أَنْ تَخْلُسَ زاياً ، وهي متحرِّكةٌ ، كما تَخلُص ، وهي ساكنة فلا. وإِنَّمَا تُقْلَب الصّادُ زاياً ، وتُشَمُّ رائِحتَها إِذا وقَعَتْ قبلَ الدَّالِ ، فإِن وَقَعَتْ قبلَ غيرِهَا لم يَجُزْ ذلك فيها ، وكلُّ صادٍ وَقَعَتْ قبلَ الدَّال فإِنه يَجُوز أَن تُشِمَّها رائحةَ الزّايِ إِذا تَحَرَّكت ، وأَن تقلِبَهَا زاياً مَحْضاً إِذا سَكَنَتْ.
__________________
(١) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : الّ الرجال كذا بالنسخ والذي في اللسان : إلى» وهو ما أثبتناه.
(٢) عن اللسان وبالأصل «عليه».
(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «كذا بالنسخ ، وليحرر». وهو أيضاً يوم اليحاميم ، بين جديلة والغوث من قبائل طيء ، وكانت للغوث على جديلة حيث لم تبق لجديلة بقية بعد الحرب ، فدخلوا بلاد كلب فحالفوهم (ابن الاثير ١ / ٦٣٦ ومجمع الميداني حرف الياء).
(٤) عبارة الأساس : من كثرت مسافده ظهرت مفاسده. ونبه إلى رواية الأساس بهامش المطبوعة المصرية.