أَو نَشَح ، إِذا شَربَ حَتَّى امْتَلأَ ، فهو ضدُّ. ونَشَحَ بَعِيرَه : سقاه ماءً قليلاً ، ونشَحَ الخَيْلَ : سقاها ما يِفْثَأُ ، أَي يكسر غُلَّتَها ، قال الأَزهريّ : وسمعْتُ أَعرابِيًّا يقول لأَصحابه : أَلَا وانْشَحُوا خَيلَكم نَشْحاً ، أَي اسقُوهَا سَقْياً يَفْثَأُ غُلَّتَها وإِنْ لم يُرْوِهَا. قال الرّاعِي يذكر ماءً ورَدَه :
نَشَحْتُ بها (١) عَنْساً تَجَافَى أَظَلُّهَا |
|
عن الأُكْمِ إِلَّا ما وَقَتْهَا السَّرَائحُ |
والنَّشُوحُ كَصَبور : الماءُ القليلُ وأَنشد الجوهريُّ :
حتّى إِذا ما غَيَّبَتْ نَشُوحَا
وهو قولُ أَبي النَّجْم يَصف الحَمُر ، ومعناه : أَي أَدْخَلَت أَجْوَافَهَا شرَاباً غيّبَتْه فيه.
والنُّشُحُ ، بضمّتَيْن : السُّكَارَى ، قال شيخُنَا يُنظرُ ما مُفْرَدُه ، أَو لا مُفرَدَ له.
قلت : الذي يظهر أَنّ مفرَدَه نَشُوحٌ ، لما عُرِف مما تقدّم من معنى قولِ أَبِي النَّجم.
وسِقَاءٌ نَشَّاحٌ ، ككَتَّانٍ ، أَي رَشَّاحٌ مُمْتليءٌ نَضَّاحٌ.
* ومما يستدرك عليه :
النَّشْحُ العَرَق ، عن كُراع.
ونَشَحْتُ المالَ جُهْدِي : أَقْلَلْتُ الأَخذَ منه ، وقد وَرد ذلك في حديث أَبي بكْرٍ رضياللهعنه (٢).
[نصح] : نَصَحَه ينصَحُهُ ، ونصَحَ لَهُ ، كمنَعَه ـ وباللام أَعلَى ، كما صرَّح به الجوهريّ وغيره ، وهي اللُّغَة الفُصْحَى. قال أَبو جعفر الفِهْرِيّ في شرح الفصيح : الأَصل في نَصَحَ أَن يَتَعَدَّى هكذا بحرفِ الجرّ ، ثم يُتَوَسَّع في حذْف حرْف الجرّ فيصِل الفعلُ بنفْسه. فتقول : نَصحْت زيداً. وقال الفَرّاءُ في كتاب المصادر له : العربُ لا تكاد تقول نَصَحْتُك ، إِنّمَا يقولونَ نَصَحْتُ لك ، وقد يقولون نَصحْتُك يريدون نَصحْت لك. قال النابغة :
نَصَحتُ بَنِي عَوفٍ فلم يَتقَبَّلوا |
|
رَسُولِي ولَم تَنْجَح إِليهم وَسَائِلي |
وقال ابنُ دُرُسْتويْه : هو يَتعَدَّى إِلى مفعولٍ واحدٍ ، نحْو.
قَولك نَصحْت زيداً ، وإِذا دخلَت اللّامُ صارَ يَتعدَّى إِلى اثنين ، فتقول : نَصحْت لزيدٍ رَأْيَه. وقد يُحذَف المفعول إِذَا فُهِم المعنَى ، فتقول : نَصحْت لزيدٍ ، وأَنت تريد نَصحْت لزيدٍ رَأْيَه ، وتحْذف حرْفَ الجرِّ من المفعول الثاني ، فيَتَعدّى الفِعل بنفسه إِليهما جميعاً ، فتقول .. نصحْتُ زيداً رأْيَه. قال أَبو جعفر : وما قاله ابنُ دُرُسْتويه من أَنّ نَصحْت يَتعدَّى إِلى اثنين أحدهما بنفْسه والثاني بحرْف الجرّ ، نحْو نصَحْت لزيدٍ رأْيَه ، دَعْوَى ، وهو مُطَالَب بإِثباتها ، ولو كان يَتعدَّى إِلى اثنين لسُمِع في مَوضع ما ، وفي عدم سماعه دليلٌ على بُطلانه. قال شيخُنا رحمهالله تعالى : وهو كلامٌ ظاهرٌ ، وابن دُرُسْتويه كثيراً ما يَرتكِب مثْلَ هذه التمحُّلات : وقد ذَكَر مثْل هذا في شكر وقال : تقديره شكَرْت نعْمَته. وأطال في تقريره ـ نُصْحاً بضمّ فسكون ، ونَصَاحَةً ، كَسَحَابة ، ونِصَاحَةً ، بالكسر ، أَوردَه صاحبُ اللّسان ، ونَصَاحِيَةً ، كَكَرَاهِيَة ، ونُصُوحاً ، بالضّم ، حكاه أَربابُ الأفعال ، ونَصْحاً ، بفتح فسكون ، أورَده صاحب اللِّسان. وهو ناصحٌ ونَصِيحٌ ، من قَوم نُصَّحٍ ، بضمّ فتشديدِ ونُصَّاح ، كُرمّان ، ونُصَحاءَ.
ويقال : نَصَحْتُ له نَصيحتي نُصُوحاً ، أَي أَخلَصْتُ وصَدَقْت ، والاسمُ النَّصيحَة.
قال شيخنا : الأَكثر من أَئمّة الاشتقاق على أَنّ النُّصْح تَصفية العَسلِ وخِياطة الثّوبِ ، ثم استُعمِل في ضدِّ الغِشّ ، وفي الإِخلاصِ والصدق كالتَّوبةِ النَّصوحِ. وقيل : النُّصْحُ والنَّصِيحةُ والمُنَاصَحةُ : إِرادةُ الخَيْرِ للغَيرِ وإِرْشَادُه له ، وهي كلمةٌ جامعةٌ لإِرادةِ الخَيْر. وفي النهاية : النَّصِيحَة كلمةٌ يُعبَّر بها عن جُملةٍ ، هي إِرادة الخيرِ للمَنصوح له ، وليس يُمْكن أَن يُعبَّر عَن هذا المعنَى بكلمةٍ واحدة تَجمَع مَعناه غيرها.
وقال الخَطّابيّ : النَّصِيحَةُ كلمةٌ جامعةٌ معنَاهَا حِيازةُ الحَظّ للمَنصوح له. قال : ويقال هو من وَجِيزِ الأَسماءِ ومختَصَر الكلامِ ، وأَنّه ليس في كلام العرب كلمةٌ مفردة تُسْتَوفَى بها
__________________
ـ صرائرها. والحقب : جمع أحقب وحقباء وهو الحمار الوحشي الذي في بطنه بياض ، أو الأبيض موضع الحقب.
(١) الذي في التكملة : به.
(٢) بهامش المطبوعة المصرية : «ولفظ الحديث كما في اللسان : وفي حديث أبي بكر قال لعائشة رضياللهعنهما : انظري ما زاد من مالي فرديه إِلى الخليفة بعدي ، فإِني كنت نشحتها جهدي».