وشَتّانَ ما بينَ أَخِيه وأَبيه. فمَنْ قال شتّانَ ، رفَعَ الأَخ بشَتّانَ ، ونَسَقَ الأَبَ على الأَخ ، وفَتح النُّونَ من شَتّانَ ، لاجتماع السّاكنين ، وشبَّههما بالأَدوات ، ومن قال : شَتّانَ ما عمرٌو ، رَفَعَ عَمْراً بشَتّانَ ، وأَدخلَ «ما» صِلَةً ، كذا في اللّسان. ونقل مثلَ ذلك شيخُنا عن اللَّبْلِيّ في شرح الفصيح ، أَي : بَعُدَ ما بَيْنَهُما هذا على أَنّه اسمُ فعلٍ ماضٍ ، بمعنى بَعُدَ ، ولذلك بُنِيَ على الفتح ، لأَنّه نائبٌ عن الماضي الّذي هو لازمٌ للفتح دائماً. وفسَّره جماعةٌ بافْترَقَ ، وهو الّذِي عليه كثيرُونَ ولذلك اشترطُوا في فعلة التَّرَدُّدَ. وذهبَ جماعةٌ إِلى أَنّه مَصدرٌ ، وهو الّذي ، جزمَ به المَرْزُوقِيّ ، والهَرَويّ في شرح الفصيح ، والزَّجّاجُ ، وغيرُ واحدٍ ، قاله شيخُنا.
وقد تُكْسَرُ النُّونُ ، عن الفرّاءِ ، كما نقلَه الصّاغانيّ ، مصْرُوفَةً عن : شَتُتَ ، ككَرُم ، فالفتحة الّتي في النُّون ، هي الفتحة الّتي [كانت] (١) في التّاءِ ، وتلك الفتحةُ تَدُلُّ على أَنّه مصروفٌ عن الفعل الماضي. وكذلك : وَشْكانَ ، وسَرْعَانَ ، مصروفٌ من : وَشُكَ وسَرُعَ ، تقول : وَشْكَانَ ذا خُروجاً ، وسَرْعَانَ ذا خُرُوجاً ؛ وأَصلهُ : وَشُكَ ذا خُرُوجاً ، وسَرُعَ ذا خُروجاً. روَى ذلك كلَّه ابْنُ السِّكِّيت ، عن الأَصمعيّ.
وقال أَبو زيد : شَتّانَ : منصوب على كلّ حال ، لأَنَّه ليس له واحدٌ. ثمّ إِنّ كسر نُون شَتّانَ ، نقله ثعلب عن الفَرّاءِ.
وظاهرُ كلام الرَّضِيّ أَنّه رأَيٌ للأَصمعيّ أَيضاً ، فإِنه وَجَّهَ في شرح الكافية اختيارَ الأَصمعيّ ، ومنْعَهُ : شَتّانَ ما بَيْنَ ، بأَمرينِ : الأَوّل : أَنّه ورَدَ شَتّانِ ، بكسر النّون ؛ والثّاني : أَنّ فاعلَه لا يكونُ إِلّا متعدّداً ، كما هو ظاهرُ الاستعمال. وفسَّره بافْتَرقَ ، وافتعلَ كتفاعلَ ، لا يكونُ فاعِلُه إِلّا مُتَعَدِّداً.
وفي شرح الفصيح ، لابنِ دُرُسْتَوَيْه : تُكْسَرُ نونُ شَتَّانَ إِذا ذهبَ إِلى أَنّ المعنى لَمّا كان للاثنينِ ظنّ أَنّ شَتّانَ مثنًّى ، فكسرَه ، والعربُ كلُّهَا تفتحهُ ، ولم يُسْمَعُ بمصدرٍ مُثَنًّى ، إِلّا إِذا اختلف ، فصار جِنسينِ ، وذلك أَيضاً قليلٌ في كلامهم.
قال : ويَلزَمُ الفَرّاءَ إِنْ كان اثنينِ أَنْ يقولَ فيه ، في موضع النَّصب والجَرّ ، شَتَّيْنِ ، بالياءِ ، وهذا لا يُجِيزُه عربيّ ولا نحويّ. ونقله أَبو جعفرٍ اللَّبْلِيّ. قال شيخنا : وظاهرُ كلام شُرّاح الفصيح وغيرهم في (٢) أَنَّ الفرّاءَ إِنّما حكى في نونِ شتّان الكسْرَ فقط ، وأَنَّهُ مُثنَّى شتّ ، وهو الّذي جزمَ به ابنُ دُرُسْتَوَيْه كما مَرَّ ، ونقله اللّبْلِيُّ وسَلَّمه ، وليس الأَمْر كذلك ، فإِنّ المعروف أَنَّ الفرّاءَ إِنّما حكى الكسرَ لُغةً في الفتح.
قال في تفسيره ، عندَ قوله تعالى : (ما هذا بَشَراً) (٣) : أَنشد بعضُهُم :
لشتّان ما أَنْوِي وَينْوِي بَنُو أَبِي |
|
جَمِيعاً فما هذانِ مُسْتوِيان |
تَمنَّوْا لِيَ (٤) المَوْتَ الَّذِي يَشْعَبُ الفَتَى |
|
وكُلُّ فتًى والمَوْتُ يَلْتقِيَانِ |
قال الفرّاءُ : يُقالُ : شتّانَ ما أَنْوِي ، بنصب النُّون وخفضها. هذا كلامُه ، وكذا نقل الصّاغانيُّ في العُبَاب عنه : أَنّ كسر النُّون لُغةٌ في فتحها (٥) ، وليس فيه ما زعمَه ابنُ دُرُسْتَوَيْه ، وبه يَسقُط تَرديدُ الهَرَويِّ في شرح الفصيح لِما قال : والأَصلُ قولُ الفرّاءِ ، فإِنّه يجوز أَن تكون النّون على أَصل التقاءِ السّاكنيْنِ ويجوزُ أَنْ يكون تثنِيَةَ شتٍّ ، وهو : التَّفرُّق.
قال شيخُنا : وزعَم ابنُ الأَنْبَارِيّ في الزَّاهر (٦) : لا يجوزُ كسر النُّون في : شَتَّان ما بَيْنَ أَخِيكَ وأَبيكَ ، قال : لأَنَّها رفَعَت اسماً واحداً (٧) ، ويجوز كسرُها في غيره ، وهو : شتّان أَخُوك ، وشتّان ما أَخُوك وأَبُوك ، فيجوزُ في هذا كسرُ النّون ، على أَنَّه تَثنيةُ شَتٍّ (٨) ، هذا كلامُه ، وفيه ما لا يَخْفى. ثم قال : وشتّانَ اسمُ فعْل على الصَّحيح.
وقال ابنُ عُصْفُورٍ في شرح الإِيضاحِ : وهو ساكنٌ في الأَصل ، إِلّا أَنَّه حُرّك لالْتِقاءِ السّاكنيْن. وكانت الحَرَكةُ فتْحَةً ، إِتْبَاعاً لِما قبلها ، وطَلباً للخفَّة ، ولأَنّه واقعٌ موقع الماضي ، وهو مبْنِيُّ على الفتح ، فجُعِلت حركتُه كحَركتِه.
__________________
(١) زيادة عن التهذيب واللسان والصحاح.
(٢) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله في أن الخ لعل الظاهر اسقاط في».
(٣) سورة يوسف الآية ٣١.
(٤) في الأصل «تمنوا إلى» وما أثبتناه المناسب.
(٥) ومثله في التكملة.(٦) ومثله في اللسان.
(٧) في اللسان : رفع ما بشتان على أنها بمعنى الذي ، وبين صلة ما والمعنى شتان الذي بين أخيك وأبيك.
(٨) زيد في اللسان : والشتّ المتفرق ، والتثنية : شتان وجمعه أشتات.