وفي حديثِ مُوسَى ، عليه الصَّلاةُ والسَّلام : «وإِنّ بالحجرِ نَدَباً سِتَّةً أَو سَبْعَةً من ضَرْبِهِ إِيَّاهُ» ؛ فشَبَّهَ أَثَرَ الضَّرْب في الحجر بأَثَرِ الجُرْحِ. وفي حديث مجاهِدٍ : «أَنّه قَرَأَ (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (١) فقال : ليس بالنَّدَب ، ولكنَّهُ صُفْرةُ الوَجْهِ والخُشُوعُ» واستعارَهُ بعضُ الشُّعرَاءِ للعِرضِ ، فقال :
نُبِّئْتُ قَافِيَةً قِيلَتْ تَناشَدَها |
قَوْمٌ سَأَتْرُكُ في أَعْرَاضِهِمْ نَدَبا |
أَي : أَجْرحُ أَعراضَهم بالهِجاءِ ، فيُغادرُ فيها ذلك الجَرْحُ نَدَباً.
ونَدَبَهُ إِلى الأَمْرِ ، كنَصَرَ ، يَنْدُبُهُ ، نَدْباً : دعاهُ ، وحَثَّهُ.
والنَّدْبُ : أَنْ يَنْدُبَ إِنسانٌ قَوماً إِلى أَمْرٍ أَو حَربٍ أَو مَعُونةٍ ، أَي : يدعوهم إِليه ، فينْتَدِبُون له ، أَي : يُجِيبُونَ ويُسَارِعُونَ. وقال الجَوْهَرِيّ : يقال : نَدَبَهُ للأَمْر (٢) ، فانْتَدَبَ له ؛ أَي دَعاهُ له ، فأَجابَ.
ونَدَبَهُ إِلى أَمْرٍ : وَجَّهَهُ إِليه. وفي الأَساس : نُدِب لِكَذا ، أَو إِلى (٣) كَذَا ، فانْتَدَبَ له. وفُلانٌ مندوبٌ لأَمْرٍ عظيم ، ومُنَدَّبٌ له.
وأَهلُ مَكَّةَ يُسَمُّونَ الرُّسُلَ إِلى دارِ الخِلافةِ : المُنَدَّبَةَ.
ومن المجاز : أَضَرَّتْ به الحاجَةُ ، فأَندَبَتْهُ إِنْداباً شديداً : أَي أَثَّرَتْ فيه. وما نَدَبَنِي إِلى ما فَعلتُ إِلّا النُّصْحُ لك.
ونَدَبَ المَيِّتَ بعدَ مَوْتِه ، هكذا قاله ابْنُ سِيدَهْ ، من غيرِ أَنْ يُقَيِّدَ ببُكَاءٍ ، وهو من النَّدَبِ للجِراحِ (٤) ، لأَنّه احْتراقٌ ولَذْعٌ من الحُزْن. وفي الصَّحاح ، نَدَبَ المَيِّتَ : بَكاه ، وعبارةُ الجوهريّ : بَكَى عليه وعَدَّدَ مَحاسِنَهُ وأَفْعَالَهُ ، يَنْدُبُهُ ، نَدْباً ، والاسْمُ النُّدْبَةُ ، بالضَّمّ. وفي المُحْكَم : النَّدْبُ : أَنْ تَدْعُوَ النّادِبةُ الميِّتَ (٥) بحُسْن الثَّناءِ في قولِها : وا فُلاناهْ : وا هَنَاهْ : واسْمُ ذلك الفِعْلِ : النُّدْبَةُ. وهو من أبوابِ النّحْو : كُلُّ شَيْءٍ في نِدَائهِ واوٌ. فهو من باب النُّدْبَة. وفي الحديثِ «كُلُّ نادِبةٍ ، كاذبةٌ إِلا نادبةَ سَعْدٍ» ، وهو من ذلك. وأَنْ تَذكُرَ النّائحةُ الميِّتَ بأَحسنِ أَوصافِهِ وأَفعالِه. وفي المِصْباح : نَدَبَتِ المرأَةُ المَيِّتَ ، من باب قَتَلَ وهي نادبةٌ ، والجمعُ نَوادِبُ ، لأَنّه كالدُّعاءِ ؛ فإِنّها تُعدِّد مَحَاسِنَهُ ، كَأَنَّه يَسمعُها. قال شيخُنَا : ففيه أَنَّ النُّدْبَةَ خاصَّةٌ بالنِّسَاءِ ، وأَنّ إِطلاقها على تَعْدادِ محاسِنِ الميّتِ ، كالمَجَاز ، من : ندَبَهُ إِلى الأَمْر : إِذا دعاهُ إِليه ، وكِلاهُمَا صرَّح به جماعةٌ. ثمّ قال : النُّدْبَةُ : مَأْخُوذَةٌ من النَّدَبِ ، وهو الأَثَرُ ، فكَأَنَّ النَّادِبَ يذكُرُ أَثَرَ مَنْ مَضَى. ويُشْبِهُ أَن يكونَ من النَّدْب ، وهو الخِفَّةُ ، ورَجُلٌ نَدْبٌ : أَي خَفِيف كما يأْتِي.
والنُّدْبَةُ إِنّما وُضِعَتْ تَخفِيفاً ، فهي ثلاثةُ اشتقاقات انتهى.
والمَنْدُوبُ : المُسْتحَبُّ ، كذا حَقَّقه الفُقَهاءُ. وفي الحديث «كان له فَرَسٌ يُقَال له المندوبُ» أَي المطلوب ، وهو من النَّدَبِ : وهو الرَّهْنُ الّذِي يُجْعلُ في السِّبَاق ، وقيل : سُمِّيَ به لِنَدَبٍ كان في جسمه ، وهو (٦) أَثَرُ الجُرْح كذا في اللّسان.
ومَندُوبٌ ، بلا لام : اسْمُ فَرَسِ أَبي طَلْحةَ زَيْدِ بْنِ سَهْلٍ الأَنْصَارِيِّ ، القائلِ : أَنَا أَبُو طَلْحَةَ واسْمِي زَيْدْ ركِبَهُ سيِّدُنا رسولُ اللهِ ، صلَّى اللهُ تعالَى عليه وسَلَّمَ ، فقال فيه : وإِنْ ـ كما في الصَّحاح ـ وَجَدْنَاهُ لَبَحْراً ، وفي رواية : إِنْ وَجَدْناهُ بَحْراً.
ومَندوبٌ أَيضاً : اسْمُ فَرَسِ مُسْلمِ بْنِ ربيعةَ الباهِلِيِّ.
ومندوب : ع كانت لهم فيه وَقْعَةٌ ، وله يومٌ يسمَّى بِاسْمِهِ.
والنَّدْبُ : الرَّجُلُ الخَفِيفُ في الحاجَةِ ، والسَّرِيعُ الظَّرِيفُ النَّجِيبُ وكذلِك الفَرسُ. وفي الأَساسِ : رجل نَدْبٌ : إِذا نُدِبَ ، أَي وُجِّهَ ، لِأَمْر عظيمٍ خَفَّ لَهُ (٧). وأَرَاكَ نَدْباً في الحوائج. ج : نُدُوبٌ بالضَّمّ ، وهو مَقِيسٌ ، ونُدَباءُ ، بالضَّمِّ
__________________
(١) سورة الفتح الآية ٢٩.
(٢) الصحاح : لأمرٍ.
(٣) الأساس : وإلى كذا.
(٤) عن اللسان ، وبالأصل «الجراح».
(٥) عن اللسان ، وبالأصل «بالميت».
(٦) «وهو» عن النهاية واللسان ، وفي الأصل «وهي» ونبه إلى ذلك بهامش المطبوعة المصرية.
(٧) عبارة الاساس : ورجل ندب إذا ندب لأمر خفّ له.