قال شيخُنا : وهُما مَصدرانِ ، قُرِئ بِهِمَا في المُتَوَاتِر.
يقال : كاذَبْتُه مُكَاذَبَةً وكِذَاباً ، ومنه قراءَةُ عليّ والعُطارديِّ والأَعمش والسُّلَميّ والكِسَائيّ وغيرِهم ، ولا كِذَاباً (١).
وقيل : هو مصدرُ : كَذَبَ كِذَاباً ، مثلُ كَتَبَ كِتَاباً.
وقالَ اللِّحْيانيّ ، قال الكِسائِيُّ : أَهلُ اليَمنِ : يَجعلُونَ المصدَرَ من فَعَّلَ : فِعَّالاً : وغيرُهُم من العرب : تَفْعِيلاً. وفِي الصَّحاح : وقولُه تَعالى : (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّاباً) (٢) وهو أَحَدُ مصادرِ المُشَدَّدِ ، لِأَنَّ مصدرَهُ قد يجيءُ على تَفعيل ، كالتَّكليم ، وعلى فِعّالٍ ، مثل كِذَّابٍ ، وعلى تَفْعِلَة ، مثل تَوْصِيَةٍ ، وعلى مُفَعَّل ، مثل : (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) (٣).
قلتُ : وفاته : كُذَّاباً ، كرُمَّانٍ ، وبه قرأَ عُمَرُ بْنُ عبدِ العزيزِ ؛ ويكون صِفَةً على المُبَالَغَة ، كوُضّاءٍ وحُسَّانٍ ، يقال : كَذَبَ كُذَّاباً ، أَي : [كذباً] (٤) مُتَنَاهِياً.
وهُوَ كاذِبٌ ، وكَذَّاب ، كَكَتَّانٍ والأُنثى بالهاءِ وعن اللِّحْيَانيّ : رَجُلٌ تِكِذَّابٌ وتِصِدَّاق ، بكسرتَيْنِ وشَدِّ الثّالث ، أَي : يَكْذِبُ ويَصْدُقُ. ورجلٌ كَذُوبٌ ، وكذلك رُؤيا كَذُوبٌ أَي : صاحِبُهَا كاذِبٌ ؛ أَنشد ثعلب
فَحَيَّتْ فَحَيَّاهَا فَهَبَّ فَحَلَّقَت |
مَعَ النَّجْم رُؤيا في المنامِ كَذُوبُ |
ومن أَمْثَالِهم : «إِنّ الكَذُوبَ قد يَصْدُقُ». وهو كقولهم «مَعَ الخَوَاطِئِ سَهْمٌ صائِبٌ» وكَذُوبَةٌ بزِيَادَةِ الهَاءِ ، كفَرُوقَة ، وكذْبانُ كسَكْرَانَ ، وكَيْذَبانُ بزيادة المُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة وفَتْح الذّالِ ، كذا هو بخطّ الأَزْهَرِي في كتابهِ ، وكَيْذُبَانُ (٥) بِضمّ الذّال كَذَا في نُسْخَةِ الصّحاح ، وكُذُبْذُبٌ بالضَّمّ ، مُخَفَّفٌ.
قال الشيخُ أَبو حَيّانَ في الارتشافِ لم يَجِئ في كلام العَرَب كلمةٌ على فُعُلْعُلٍ ، إِلّا قَوْلُهم : مُذُبْذُبٌ. قال شيخُنا : وقد صرّح به ابنُ عُصْفُور ، وابْنُ القطّاعِ ، وغيرُهما. قلتُ : ولم يَذْكُرْه سِيبَوَيْه فيما ذَكَرَ من الأَمثله ، كما نقله الصّاغانيّ. وقد يُشَدَّدُ ، فيُقَالُ : كُذُّبْذُبٌ حكاه ابْنُ عُدَيْسٍ ، وغيرُه ، ونَقَلَهُ شُرَّاحُ الفَصِيح. وأَنشد الجَوْهَرِيُّ لأَبِي زَيْدٍ (٦) :
وإِذَا أَتَاكَ بأَنَّنِي قد بِعْتُها |
بِوِصالِ غانِيَةٍ فُقْلُ كُذُّبْذُبُ |
وفي نُسْخَةٍ : «قد بِعْتُهُ» (٧) ، ويُقَالُ : إِنَّه لجُرَيْبَةَ بْنِ الأَشْيَمِ ، جاهليّ ، وفي الشَّوَاذِّ ، عن أَبي زَيْد :
فإِذا سَمِعْتَ بِأَنَّنِي قَدْ بِعْتُهُ (٨).
يقول : إِذا سَمِعْتَ بأَنَّنِي قد بِعْتُ جَمَلِي (٩) بوِصالِ امْرَأَة ، فقُلْ : كُذُّبْذُبٌ. كذا في هامش نُسْخَة الصَّحاح.
وقال ابْنُ جنَّي : أَمَّا كُذُبْذُبٌ خفيفٌ ، وكُذُّبْذُبٌ مُشَدَّدٌ منه ، فهاتان لم يَحْكِهما سِيْبَوَيْه (١٠). ورَجلٌ كُذَبَةٌ مثالُ هُمَزَةٍ ، نقله ابْنُ عُدَيْسٍ وابنُ جِنِّي وغيرُهما ، وصرَّح به شُرَّاحُ الفَصيح والجَوْهَرِيُّ وهو من أَوْزَانِ المُبَالغة كما لا يخفَى.
قاله شيخُنا. ومَكْذَبَانُ ، بفتح الأَوّل والثالِث ، كذا في الصَّحِاح مضبوطٌ ، وضُبِطَ في نسختنا بضمّ الثّالث ، ومَكْذَبَانَةٌ ، بزيادة الهاءِ. نقلهما ابْنُ جِنِّي في شرح ديوان المتنبّى ، وابنُ عُدَيْسٍ ، وشُرّاحُ الفصيح ، عن أَبي زيد ؛ وكُذُبْذُبانُ بالضَّمِّ وزيادة الأَلِف والنُّون ، قال شيخُنَا : وهو غريبٌ في الدَّواوينِ.
وقد فرَغَ المصنِّفُ من الصِّفات ، وانتقل إِلى ذكر ما يَدُلُّ على المصدر من الأَلفاظ ، فقال : والأُكْذُوبَة والكُذْبَى ، بضمهما ، الأَخير عن ابْن الأَعْرَابِيّ ، والمَكْذُوبُ كالمَيْسور من إِطلاق المفعول الثّلاثيّ على المصدر ، وهو قليل ،
__________________
(١) سورة النبأ الآية ٣٥.
(٢) سورة النبأ / ٢٨. كان الكسائي ـ كما مرّ ـ يخفف «ولا كذاباً» لأنها مقيدة بفعل يصيرها مصدراً ، ويشدد «وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّاباً» لأن كذّبوا يُقيّد الكِذّاب».
(٣) سورة سبأ الآية ١٩.
(٤) زيادة عن التكملة.
(٥) في الصحاح واللسان صرفت.
(٦) كذا ، وفي الصحاح : وأنشد أبو زيد.
(٧) وفي التهذيب : قد بعتكم.
(٨) بهامش المطبوعة المصرية : قبله كما في التكملة :
قد طال إيضاعي المخدم لا أرى |
في الناس مثلي في معدّ يخطب |
|
حتى تأوبت البيوت عشبة |
فحططت عنه كوره ينتأب» |
قال الصاغاني والرواية في البيت قد بعته يعني جمله المخدم المذكور في البيت الأول.
(٩) بالأصل : جميلي.
(١٠) عن اللسان ، وبالأصل «شيبان» وعبارته : فهذان بناءان لم يحكهما سيبويه.