والغَيْبَةُ من الغَيْبُوبَة ، والغِيبَةُ من الاغْتِيَاب. يقال : اغتاب الرجُل صاحِبَه اغْتِيَاباً ، إِذَا وَقَعَ فيه : وهو أَن يَتَكَلَّم خَلْف إِنْسَان مَسْتُورٍ بِسُوءٍ ، أَوْ بِمَا يَغُمُّه ، [لو سمعه] وإِن كَان فِيهِ ، فإِن كان صِدْقاً فهو غِيبَةٌ ، وإِنْ كَانَ كَذِباً فهو البَهْتُ والبُهْتَانُ ، كذلك جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلىاللهعليهوسلم ، والاسم الغِيبَة ؛ ولا يكونُ ذلِكَ إِلّا مِنْ وَرَائِه ، وفي التَّنْزِيلِ العَزِيز : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (١) أَي لا يتَنَاولْ رَجُلاً بظَهْرِ الغَيْب بما يَسُوءُه مِمَّا هُوَ فِيه ، وإِذَا تَنَاوَلَه بِمَا ليس فيه فهو بَهْتٌ وبُهْتَانٌ ، وعن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ : غَابَ ، إِذَا اغْتَابَ ، وغَابَ ، إِذَا ذَكَر إِنْسَاناً بخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ والغِيبَةُ فِعْلة مِنْه أَي من الاغْتِيَاب ، كمَا أَسْلفْنا بَيَانَه تكُونَ حَسَنَةً أَو قَبِيحَةً ، وأَطْلَقَه عن الضَّبْطِ لشُهْرَتِه.
وامرَأَةٌ مُغِيبٌ (٢) ، ومُغِيبَةٌ : غَابَ عنها بَعْلُها أَو وَاحِدٌ من أَهْلِها. الأُولَى عن اللِّحْيَانيّ. ويقال : هي مُغِيبة ، بالهاء ومُشْهِدٌ ، بلا هَاءٍ ، نَقَلَه ابنُ دُرَيْد. وأَغابَتِ المَرْأَة فهي مُغِيبٌ كمُحْسِن أَي بالإِعْلَال ، وَهذِه عن ابْنِ دُرَيْد ، غَابُوا عَنْهَا. وفي الحَدِيثِ «أَمْهِلُوا حَتَّى تَمْتَشِط الشَّعِثَةُ وتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ» هي التي غَابَ عَنْها زَوْجُهَا. وفي حَدِيث ابْنِ عَبَّاس «أَنَّ امرأَة مُغِيباً أَتت رَجُلاً تَشْتَرِي منه شَيْئاً ، فتعرَّض لَهَا ، فقالَت له : ويْحَك إِنِّي مُغِيبٌ. فتَرَكها» وقَوْلُهُم : وهم يَشْهَدُون أَحْياناً وَيَتَغَايَبُون أَحْيَاناً ، أَي يَغِيبُون أَحْيَاناً ، ولا يقال : يَتَغَيَّبُون. ويقال : تَغَيَّب عَنِّي فُلَانٌ ، ولَا يَجُوزُ ، أَي عِنْد الجَمْهُور عَدَا الكُوفِيِّين ، تَغَيَّبنِي ، إِلَّا في ضَرُورَةٍ شِعْرٍ قال امرؤُ القَيْس :
فَظلَّ لَنَا يومٌ لَذِيذٌ بنَعْمَةٍ |
فَقِلْ في مَقِيلٍ نَحْسُه مُتَغيِّبِ(٣) |
وقال الفَرَّاءُ : م المُتَغَيِّبُ مَرْفُوعٌ والشِّعْرُ مُكْفَأٌ ولا يجُوز أَن يُرَدَّ (٤) على المَقِيل ، كما لَا يَجُوزُ : مررتُ برَجُل أَبوه قَائِمٍ (٥). وغَائِبُكَ : مَا غَابَ عنْكَ ، اسمٌ كالْكَاهِل والجَامِلِ ، أَي لَيْسَ بمُشْتَقٍّ من الغَيْبُوبَة. وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيّ :
ويُخْبِرُنِي عنْ غَائِبِ المَرْءِ هَدْيُه |
كَفَى الهَدْيُ (٦) عَمَّا غَيَّب المرءُ مُخْبِرَا |
قال : شَيْخُنَا : ولكنْ قولُه في تَفْسِيره : ما غَاب عنْك ، أَي الَّذِي غَابَ ، صَرِيحِ في أَنَّه صِيغَةُ اسْمِ فَاعِل من غَابَ وإِن كَانَ يُمْكن دَعْوَى أَنَّه الأَصْل وتُنوسِيَت الوصْفِيَّةُ وصارَ اسْماً للغَائِب مُطْلَقاً ، كالصَّاحِب ، فَتَأَمَّل ، انتهى.
* ومِمّا بقِي على المؤلف : قولُهم : «غَيَّبَه غَيَابُهُ» أَي دُفِن في قَبْرِه ، ومِنْه قَوْلُ الشَّاعِر :
إِذَا أَنَا غَيَّبَتْنِي غَيابتي
أَرَادَ بِهَا القبرَ لأَنَّه يُغَيِّبه عن أَعْيُن النَّاظِرُين ، ومِثْلُه في مَجْمع الأَمْثَال للميْدانِي.
وقيل الغَيابة في الأصل قَعْرُ البِئرُ ، ثم نُقِلَت لِكُلِّ غَامِضٍ خَفِيّ والمُغَايبَة خلَافُ المُخَاطَبَة.
وفِي الأَساسِ تَقُولُ : أَنَا مَعَكُم لا أُغَايِبُكم ، وتَكلَّمَ به عن ظَهْرِ غَيْبٍ ، وشَرِبَتِ الدَّابَّةُ حَتَّى وَارَت غُيوبَ كُلَاها ، وهي هُزُومها ، جَمْع غَيْب وهي الخَمْصة (٧) التي في موضع الكُلْيَة انتهى.
وفي لسان العرب : في حَدِيثِ عُهْدَةِ الرَّقِيقِ «لا دَاءَ ولا خُبْثَةَ (٨) ولا تَغْيِيب» التَّغْيِيبُ (٩) : أَن تبيعه ضَالَّة ولُقَطَة.
«فصل الفاء»
قال شَيْخُنَا : هذا الفَصْل سَاقِطٌ برُمَّته من الصِّحَاح والخُلَاصَةِ وأَكْثَرِ الدَّوَاوِينِ ، لأَنَّه لَيْسَ فِيه شَيْءٌ من الأَلْفَاظ العَرَبِيَّة ، إِنَّما فِيهِ أَسماءُ قُرًى أَو بُلْدَان أَو أَشْجَار أَعْجَميَّة.
قلت : ذُكَرِ في الأَسَاسِ منها فَرَّبَ ، وفي المُحْكَم والنِّهَايَةِ
__________________
(١) سورة الحجرات الآية ١٢.
(٢) في اللسان : مُغِيب ومُغْيِب ومُغيِبَة.
(٣) «متغيب» عن الصحاح واللسان ، وفي الأصل «متغيبي» وأشار إلى ذلك بهامش المطبوعة المصرية.
(٤) كذا في الصحاح واللسان ، وفي المطبوعة الكويتية : «يَرِدَ» تصحيف.
(٥) عن اللسان ، وبالأصل : «برجل قائم أبوه» وبهامش المطبوعة المصرية : «.. انظر ما المانع من صحة هذا المثال ولعله برجل أبوه قائم ، بجر قائم».
(٦) الهدي عن اللسان ، وبالأصل «المرء».
(٧) عن الأساس ، وفي الأصل «الخصرة».
(٨) كذا بالأصل والنهاية ، وضبطت فيها «خبثة بكسر أولها». وفي اللسان : خبنة بالنون.
(٩) في النهاية : التغييب : ألا يبيعه ضاله ولا لقطة.