بعثنا رسول الله صَلى الله عليه وسلم : أنا والزبير ، والمقداد [بن الأسود] قال : انطلقوا حتى تأتوا رَوْضَة خَاخ فإن بها ظعينة معها كتاب. [فخرجنا تَعَادَى بنا خيلُنا ، فإذا نحن بِظَعِينَةٍ ، فقلنا : أخرجي الكتاب. فقالت : ما معي كتابٌ]. فقلنا لها : لتُخْرِجن الكتابَ ، أو لنُلْقِيَنَّ الثيابَ. فأخرجته من عِقَاصِها ، فأتينا به رسول الله صَلى الله عليه وسلم ، فإذا فيه : مِنْ حاطب بن أبي بَلْتَعَةَ إلى أناس من المشركين ممن [كان] بمكة ، يُخبِرُ ببعض أمرِ النبي صَلى الله عليه وسلم ، فقال : ما هذا يا حاطبُ؟ فقال : لا تَعجَلْ عليَّ ، إني كنت امرأً مُلْصَقاً في قريش ، ولم أكن من أنفُسِها ، وكان مَنْ معك من المهاجرين لهم قَرَاباتٌ يَحمُون بها قَرَاباتِهم ، ولم يكن لي بمكة قرابةٌ ، فأحببتُ إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً ، والله ما فعلتُه شاكاً في دِيني ، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صَلى الله عليه وسلم : إنه قد صدق. فقال عمر : دعني يا رسول الله أضربْ عنقَ هذا المنافقِ. فقال : إنه قد شهد بدراً ، وما يُدْرِيكَ لعلَّ الله اطَّلع على أهل بدر فقال : اعمَلُوا ما شئتم فقد غَفَرْتُ لكم. ونزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) الآية.
رواه البخاري عن الحُمَيْدي.
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شَيْبَة ، وجماعةٍ ، كلُّهم عن سفيان.
[٤٢٣]
قوله عزوجل : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [٦].
يقول الله تعالى للمؤمنين : لقد كان لكم في إبراهيمَ ومن معه ، من الأنبياء والأولياء ، اقتداءٌ بهم في معاداة ذوي قَرَاباتِهم من المشركين ، فلما نزلت هذه الآية عادى المؤمنين أقرباءهم المشركين في الله ، وأظهروا لهم العداوة والبراءة ، وعلم الله تعالى شدَّة وجد المؤمنين بذلك ، فأنزل الله : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً). ثم فعل ذلك بأن أسلم كثير منهم ، وصاروا لهم أولياءَ وإخواناً ، فخالطوهم وناكحوهم ، وتزوج رسول الله صَلى الله عليه وسلم أم حَبِيبَةَ بنت أبي سفيانَ بن حَرْب. فلان لهم أبو سفيان ، وبلغه ذلك [وهو مشرك] فقال : ذاك الفَحْلُ لا يُقْرَعُ أنْفُه.