(إِيمانَكُمْ) : توجهكم إلى القبلة الناسخة. وقيل (١) : صلواتكم إلى
__________________
ونقل الماوردي في تفسيره : ١ / ١٦٦ هذا القول عنهم ، وأورده ابن الجوزي في زاد المسير : ١ / ١٥٥ وزاد نسبته إلى مقاتل.
قال الطبري ـ رحمهالله ـ : «قال بعض نحويي البصرة : أنّثت «الكبيرة» لتأنيث القبلة ، وإياها عنى جل ثناؤه بقوله : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً).
وقال بعض نحويي الكوفة : بل أنّثت «الكبيرة» لتأنيث التولية والتحويلة.
فتأويل الكلام على ما تأوله قائلو هذه المقالة : وما جعلنا تحويلتنا إياك عن القبلة التي كنت عليها وتوليتناك عنها ، إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، وإن كانت تحويلتنا إياك عنها وتوليتناك (لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ).
وهذا التأويل أولى التأويلات عندي بالصواب ؛ لأن القوم إنما كبر عليهم تحويل النبي صلىاللهعليهوسلم وجهه عن القبلة الأولى إلى الأخرى ، لا عين القبلة ، ولا الصلاة ، لأن القبلة الأولى والصلاة ، قد كانت وهي غير كبيرة عليهم ، إلا أن يوجّه
(١) أخرج الإمام البخاري في صحيحه : (٥ / ١٥٠ ، ١٥١) ، كتاب التفسير عن البراء رضياللهعنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر ، وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن كان صلى معه فمرّ على أهل المسجد وهم راكعون ، قال : أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلىاللهعليهوسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت ، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).
وأخرج الإمام أحمد في مسنده : ٤ / ٢٤١ عن ابن عباس رضياللهعنهما قال : «لما حرمت الخمر قال أناس : يا رسول الله ، أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزلت : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) ، قال : ولما حوّلت القبلة قال أناس : يا رسول الله ، أصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزلت : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ).
قال الشيخ أحمد شاكر رحمهالله : «إسناده صحيح».
وأخرج نحوه الترمذي في سننه : ٥ / ٢٠٨ ، كتاب التفسير ، باب «ومن سورة البقرة» ، وقال : «هذا حديث حسن صحيح».
والطبري في تفسيره : (٣ / ١٦٧ ـ ١٦٩) عن ابن عباس رضياللهعنهما ، والبراء ، وقتادة ، وسعيد بن المسيب ، والربيع بن أنس.