واللؤلؤ (١) ، شراكهما ياقوت أحمر ، فإذا دنت من ولي الله فهم أن يقوم إليها شوقا ، فتقول (٢) له (٣) : يا ولي الله ، ليس هذا يوم تعب ولا نصب (٤) ، فلا تقم ، أنا لك وأنت لي.
قال (٥) : فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا لايملها ولا تمله (٦).
قال (٧) : فإذا فتر بعض الفتور من غير ملالة ، نظر إلى عنقها ، فإذا عليها قلائد من قصب (٨) من ياقوت أحمر ، وسطها لوح صفحته درة مكتوب فيها : أنت يا ولي الله حبيبي ، وأنا الحوراء حبيبتك ، إليك تناهت نفسي ، وإلي تناهت (٩) نفسك ، ثم يبعث
__________________
(١) «مكللتان بالياقوت واللؤلؤ» أي محفوفتان ومحاطتان ومزينتان بهما. راجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨١٢ (كلل).
(٢) في «جد» بالتاء والياء معا. وفي الوافي : «فيقول».
(٣) في «بن ، جت» : ـ «له».
(٤) النصب والتعب بمعنى واحد ، وهو الكلال والإعياء ، فالعطف للتفسير والتأكيد.
(٥) في «جت» والبحار : ـ «قال».
(٦) قال المحقق الشعراني في هامش الوافي : «قوله : فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا لا يملها ولا تمله ، ليس الغرض من شهوات الآخرة ولذاتها هوالغرض من لذات الدنيا ؛ لأن الله تعالى ركب في الدنيا في الإنسان شهوات لحوائج ضرورية تدفع بها ، وإذا اندفعت لم تبق لذة ورغبة إليها ، فالطعام لدفع ما يتحلل ، والوقاع للنسل ، فإذا شبع الجائع كره الطعام ، وإذا أنزل المني لم تكن له رغبة في اعتناق أجمل النساء ، بخلاف الآخرة ؛ فإن اللذة فيها مقصودة لذاتها يرغب فيها من غير تألم بالشوق ولا يشبع منها ورغباتها للابتهاج بالصور المحبوبة ، وهذا حاصل للنفس المجردة عن الملوثات بالصور الكمالية الحسنة دائما ، فالتذاذ أهل الجنة بالطعام واعتناق الحور العين وقاعهن نظير الالتذاذ في الدنيا بالعلم والعمل وليست الأبدان الاخروية كالأبدان الدنيوية ممنوة بالآفات ومجتمعة للقذرات ، وليس يتعبون بالعمل والحركات ، ولا يضعفون ؛ لأن أبدانهم في سلطنة أرواحهم وليس بينهما تدافع ومناقضة ، فإذا أراد الروح أن يطير ببدنه طار ولم يمنعه ثقل البدن ، وإذا أراد أن يأكل أكل ولم يزاحمه ملاء المعدة ، وهكذا ليست الأوهام مناقضة للعقول هناك ، ويلتذون بالدعاء والذكر ومناجاة الله تعالى ، بل هي أكبر لذاتهم ، ورضوان من الله أكبر ، وليسوا كأهل الدنيا ملتذين بالغفلة والبطالة ، وقال الله تعالى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة (٣٢) : ١٧]».
(٧) في «بف» : ـ «قال».
(٨) قال ابن الأثير : «في حديث خديجة : ببيت من قصب في الجنة ، القصب في هذا الحديث : لؤلؤ مجوف واسع ، كالقصر المنيف. والقصب من الجوهر : ما استطال منه في تجويف». النهاية ، ج ٤ ، ص ٦٧ (قصب).
(٩) في حاشية «بح» : «تاقت».