جاء إلى أبي جعفر عليهالسلام رجل (١) من أهل الشام من علمائهم ، فقال : يا با جعفر (٢) ، جئت أسألك عن مسألة قد أعيت (٣) علي أن أجد أحدا (٤) يفسرها ، وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كل صنف منهم شيئا غير الذي قال الصنف الآخر.
فقال له أبو جعفر عليهالسلام : «ما ذاك؟».
قال : فإني أسألك عن أول ما خلق الله من خلقه ، فإن بعض من سألته قال :
القدر ، وقال (٥) بعضهم : القلم ، وقال بعضهم : الروح (٦)؟
فقال أبو جعفر عليهالسلام : «ما قالوا شيئا (٧) ، أخبرك أن الله ـ تبارك وتعالى ـ كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ، ولا أحد كان قبل عزه ، وذلك قوله : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٨) وكان الخالق قبل المخلوق ، ولو كان أول ما خلق من خلقه الشيء من
__________________
(١) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت والوافي والبحار. وفي «جت» والمطبوع : «جاء رجل إلى أبي جعفر عليهالسلام».
(٢) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت والوافي. وفي «بن» والمطبوع : «يا أبا جعفر».
(٣) يقال : أعيا عليه الأمر وتعايا واستعيا وتعيا ، إذا لم يهتد لوجه مراده ، أو وجه علمه ، أو عجز عنه ولم يطق إحكامه. راجع : تاج العروس ، ج ١٩ ، ص ٧١٦ (عيا).
(٤) في «جد» وحاشية «م» : + «أن».
(٥) في «بن» : ـ «قال».
(٦) في الوافي : «اللوح».
(٧) في الوافي : «ما قالوا شيئا ، أي شيئا ينفعك وإن كان صحيحا ، كما يأتي بيانه ، ولعله أشار بالماء الذي خلق الأشياء منه إلى المادة التي خلق منها الأشياء بإفاضة الصور عليها ، وإنما سماها الماء لقبولها التشكلات بسهولة ، وإنما جعلها أول ما خلق مع أنها متأخرة عن الصورة في الوجود ؛ لثباتها على حالها مع توارد الصور عليها ، فهي من هذا الوجه متقدمة على جميع الصور ، وإنما جعلها أولا مع أن خلق الأرواح متقدم على خلق الأجسام ؛ لأن السائل إنما سأل عن أول ما خلق من عالم الخلق دون الأمر ، كما كان ظاهرا من حاله ومبلغ علمه وسؤاله».
وقال المحقق الشعراني في هامش شرح المازندراني : «مراده عليهالسلام من تضعيف قول من قال : إن أول ما خلق الله الروح أو القلم أو القدر ، أنه لم يقع موقعه من السؤال ، وإلا فجميع هذه أيضا مروية ، وقد سبق في أول الكتاب أن أول ما خلق الله العقل ، وروي أن أول ما خلق نور رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولكن لم يكن سؤال السائل إلاعن المادة الاولى للأجسام ، وكم من كلام صحيح لا يمكن أن يقع جواب سائل ، مثل قوله : «قل هو الله أحد» في جواب من سأل عن نصاب الزكاة».
(٨) الصافات (٣٧) : ١٨٠.