من الغيظ ، وأهل الردة على ما بينا ، والامم الكافرة على ما قدمنا ، والانصار قد خالفوا المهاجرين ، وانحازوا عنهم يقولون : منا أمير ومنكم أمير. (٨٤٦). فدعاه النظر للدين إلى الكف عن طلب الخلافة ، والتجافي عن الامور ، علما منه أن طلبها والحال هذه ، يستوجب الخطر بالامة ، والتغرير في الدين ، فاختار الكف إيثارا للاسلام ، وتقديما للصالح العام ، وتفضيلا للآجلة على العاجلة.
غير أنه قعد في بيته ـ ولم يبايع حتى أخرجوه كرها ـ (٨٤٧) احتفاظا بحقه ، واحتجاجا على من عدل عنه ، ولو أسرع إلى البيعة ما تمت له حجة ولا سطع له برهان ، لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين ، والاحتفاظ بحقه من امرة المؤمنين ، فدل هذا على أصالة رأيه ، ورجاحة حلمه ، وسعة صدره ، وإيثاره المصلحة العامة ، ومتى سخت نفس امرئ عن هذا الخطب الجليل ، والامر الجزيل ، ينزل من الله تعالى بغاية منازل الدين ، وإنما كانت غايته مما فعل أربح الحالين له ، وأعود المقصودين عليه ، بالقرب من الله عزوجل.
أما الخلفاء الثلاثة وأولياؤهم ، فقد تأولوا النص عليه بالخلافة للاسباب التي قدمناها ، ولا عجب منهم في ذلك بعد الذي نبهنا إليه من تأولهم
____________________________________
(٨٤٦) راجع : تاريخ الطبري ج ٤ ص ٢١٨ و ٢١٩ و ٢٢٠ ط دار المعارف بمصر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٦ ص ٦ و ٩ ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل وج ٢ ص ٤ ط ١ بمصر ، تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٢.
(٨٤٧) اخراج الامام علي بن أبي طالب عليهالسلام كرها لاجل البيعة.
راجع : العقد الفريد ج ٤ ص ٣٣٥ ط لجنة التأليف والنشر بمصر وج ٢ ص ٢٨٥ ط آخر ، شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٣ ص ٤١٥ أفست بيروت.