قال : ثم انه « بلغني أن قائلا (١) منكم يقول : والله لو مات عمر بايعت فلانا ؛ فلا يغترن امرؤ أن يقول انما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا وانها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها (إلى أن قال) : من بايع رجلا من غير مشورة فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا (٢) ، (قال) : وأنه قد كان من خبرنا حين
__________________
(١) القائل هو ابن الزبير ونص مقالته : والله لو مات عمر لبايعت عليا فان بيعة ابي بكر انما كانت فلتة وتمت ، فغضب عمر غضبا شديدا وخطب هذه الخطبة ، صرح بهذا كثير من شراح البخاري ، فراجع تفسير هذا الحديث من شرح القسطلاني ص ٣٥٢ من جزئه الحادي عشر ، تجده ينقل ذلك عن البلاذري في الانساب مصرحا بصحة سنده ـ على شرط الشيخين ـ. (منه قدس).
(٢) قال ابن الاثير في تفسير هذا الحديث من نهايته ، تغرة : مصدر غررته اذا القيته في الغرر ، وهي من التغرير كالتعلة من التعليل ، وفي الكلام مضاف محذوف وأقام المضاف اليه الذي هو تغرة مقامه ، وانتصب على انه مفعول له ، ويجوز ان يكون قوله ان يقتلا بدلا من تغرة ويكون المضاف اليه محذوفا كالاول ، ومن أضاف تغرة إلى ان يقتلا فمعناه : خوف تغرة قتلهما ، قال : ومعنى الحديث : ان البيعة حقها ان تقع صادرة عن المشورة والاتفاق ، فاذا استبد رجلان دون الجماعة فبايع أحدهما الآخر ، فذلك تظاهر منهما بشق العصا واطراح الجماعة ، فان عقد لاحد بيعة فلا يكون المعقود له واحدا منهما ، وليكونا معزولين من الطائفة التي تتفق على تمييز الامام منها ، لانه ان عقد لواحد منهما وقد ارتكبا تلك الفعلة الشنيعة التي احفظت الجماعة من التهاون بهم والاستغناء عن رأيهم ، لم يؤمن ان يقتلا. اهـ. قلت : كان من مقتضيات العدل الذي وصف به عمر ، ان يحكم بهذا الحكم على نفسه وعلى صاحبه كما حكم به على الغير ، وكان قد سبق منه ـ قبل قيامه بهذه الخطبة ـ أن قال : ان بيعة ابي بكر فلتة وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، واشتهرت هذه الكلمة عنه اي اشتهار ، ونقلها عنه حفظة الاخبار كالعلامة ابن أبي الحديد في ص ١٢٣ من المجلد الاول من شرح النهج (منه قدس).