٢ ـ على ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قد ترك من الاشياء المستوجبة للوصية ما لم يتركه أحد من العالمين ، وحسبك أنه ترك دين الله القويم في بدء فطرته وأول نشأته ، ولهو أحوج إلى الوصي من الذهب والفضة ، والدار والعقار ، والحرث والانعام ، وان الامة بأسرها ليتاماه وأياماه ، المضطرون إلى وصيه ليقوم مقامه في ولاية أمورهم ، وإدارة شؤونهم الدينية والدنيوية ، ويستحيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يوكل دين الله ـ وهو في مهد نشأته ـ إلى الاهواء ، أو يتكل في حفظ شرائعه على الآراء ، من غير وصي يعهد بشؤون الدين والدنيا اليه ، ونائب عنه يعتمد ـ في النيابة العامة ـ عليه ، وحاشاه ان يترك يتاماه ـ وهم اهل الارض في الطول والعرض ـ كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ، ليس لها من يرعاها حق رعايتها ، ومعاذ الله ان يترك الوصية بعد ان أوحي بها اليه ، فأمر أمته بها وضيق عليهم فيها. فالعقل لا يصغي إلى إنكار الوصية مهما كان منكرها جليلا ، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى علي في مبدأ الدعوة الاسلامية ، قبل ظهورها في مكة حين أنزل الله سبحانه (وأنذر عشيرتك الاقربين) كما بيناه ـ في المراجعة ٢٠ ـ ولم يزل بعد ذلك يكرر وصيته اليه ، ويؤكدها المرة بعد المرة بعهوده التي أشرنا فيما سبق من هذا الكتاب إلى كثير منها ، حتى أراد وهو محتضر ـ بأبي وأمي ـ ان يكتب وصيته إلى علي تأكيدا لعهوده اللفظية اليه ، وتوثيقا لعرى نصوصه القولية عليه ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : هجر رسول الله (١) (٧٨٣). اهـ. » وعندها علم (ص) أنه
__________________
(١) أخرجه بهذه الالفاظ محمد بن اسماعيل البخاري في باب جوائز الوفد
____________________________________
(٧٨٣) يوجد في : صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير باب جوائز الوفد ج ٤