استوجبت من الله هذا التأكيد؟ واقتضت الحض على تبلغيها بما يشبه التهديد؟ وأي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه؟ ويحتاج إلى عصمة الله من أذى المنافقين ببيانه؟ أكنتم ـ بجدك لو سألكم عن هذا كله ـ تجيبونه بأن الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، انما أراد بيان نصرة علي للمسلمين ، وصداقته لهم ليس إلا ، ما أراكم ترتضون هذا الجواب ، ولا أتوهم انكم ترون مضمونه جائزا على رب الارباب ، ولا على سيد الحكماء ، وخاتم الرسل والانبياء ، وأنتم أجل من أن تجوزوا عليه أن يصرف هممه كلها ، وعزائمه بأسرها ، إلى تبيين شيء بين لا يحتاج إلى بيان ، وتوضيح امر واضح بحكم الوجدان والعيان ، ولا شك انكم تنزهون افعاله واقواله عن ان تزدري بها العقلاء ، أو ينتقدها الفلاسفة والحكماء ، بل لا ريب في انكم تعرفون مكانة قوله وفعله من الحكمة والعصمة ، وقد قال الله تعالى : (انه لقول رسول كريم ، ذي قوة عند ذي العرش مكين ، مطاع ثم أمين ، وما صاحبكم بمجنون) (٦٤٨) فيهتم بتوضيح الواضحات ، وتبيين ما هو بحكم البديهيات ؛ ويقدم لتوضيح هذا الواضح مقدمات اجنبية ، لا ربط له بها ولا دخل لها فيه ، تعالى الله عن ذلك ورسوله علوا كبيراً ، وأنت ـ نصر الله بك الحق ـ تعلم ان الذي يناسب مقامه في ذلك الهجير ، ويليق بافعاله وأقواله يوم الغدير ، انما هو تبليغ عهده ، وتعيين القائم مقامه من بعده ، والقرائن اللفظية ، والادلة العقلية ، توجب القطع الثابت الجازم بأنه صلى الله عليه وآله
____________________________________
ساعات مضت من نهار يوم الخميس فأمر الله تعالى رسوله العظيم (ص) أن ينصب عليا إماما وخليفة من بعده. تقدمت مصادر نزولها في ذلك تحت رقم (٦٢٦) فراجع.
(٦٤٨) سورة التكوير آية : ١٩ و ٢٠ و ٢١ و ٢٢.