فقال الشيخ : أيّها القاضي الحرب دراية ، والتوبة رواية ، وأنت قررت في حديث الغدير أن الرواية لا تعارض الدراية.
فبهت الشيخ القاضي ، ولم يحر جوابا ، ووضع رأسه ساعة ثم رفع رأسه ، وقال : من أنت؟
فقال : خادمك محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي.
فقام القاضي من مقامه ، وأخذ بيد الشيخ ، وأجلسه على مسنده ، وقال : أنت المفيد حقّا ، فتغيّرت وجوه علماء المجلس ، فلمّا أبصر القاضي ذلك منهم قال : أيّها الفضلاء والعلماء ، إن هذا الرجل ألزمني ، وأنا عجزت عن جوابه ، فإن كان أحد منكم عنده جواب عمّا ذكره فليذكر ليقوم الرجل ويرجع مكانه الأول.
فلما انفصل المجلس شاعت القصة واتصلت بعضد الدولة ، فأرسل إلى الشيخ فأحضره ، وسأله عمّا جرى فحكى له ذلك ، فخلع عليه خلعة سنيّة ، وأخذ له بفرس محلّى بالزينة ، وأمر له بوظيفة تجري عليه (١).
قلت : قد أورد المولى الفاضل الأوحدي أمير معزّ الدين محمّد بن أمير فخر الدين محمّد المشهدي ، المعروف في البلاد الهندية بموسى خان ، على مناظرة الشيخ اعتراضا ، زعم انّه لا مخلص له ولا جواب ، واشتهر ذلك في تلك البلاد بشبهة موسى خان ، وقد تصدى كثيرون لدفعها ، وقد سبقهم في إحراز قصبات هذا الميدان المولى الأجل المشار إليه بالبنان العلامة الأوحد مولانا شاه محمّد (٢) ، في كلام طويل نقله خروج عن وضع الكتاب ، من أراده وطلبه
__________________
(١) مجالس المؤمنين ١ : ٤٦٤.
(٢) وهو العالم الجليل مولانا شاه محمّد بن محمّد الشيرازي ، مؤلف كتاب روضة العارفين في شرح الصحيفة الكاملة ، ورسائل متعددة في الحديث والحكمة ، وبلغ من العمر قريبا من مائة وثلاثين سنة ، وقد بالغ في مدحه تلميذه الفاضل مولانا محمّد مؤمن الجزائري ـ صاحب كتاب