تفتيح الأبواب لهم دليلا على دخولهم ، فترك ذكر الدخول لها في الكلام من الدلالة عليه ، وقد يسقط من القرآن كلم وحروف ، ويدلّ فحوى الخطاب عليها اختصارا وحذفا وإبعادا في مذاهب البلاغة ، وإغراقا في منازع الفصاحة ، ولأن فيما يبقى أدلّة على ما يلقى ، إذ كانت البلاغة عند أهل اللسان لمحة دالّة وإشارة مقنعة. ولا يجوز أن تزاد فيه الكلم والحروف التي ليس فيها زيادة معان وأدلّة على معان ـ على ما قدمناه من كلامنا في هذا المعنى ـ لأن ذلك من قبيل العي والفهاهة كما أن الأول من دلائل الاقتدار والفصاحة.
وفي القرآن موضعان آخران جاءت فيهما هذه (الواو) التي قدّر أنّها مزيدة ، ما رأيت أحدا تنبّه عليهما ، وإنّما عثرت أنا بهما عند الدرس ، لأن العادة جرت بي في التلاوة أن أتدبّر غرائب القرآن وعجائبه ، وخفاياه وغوامضه ، فلا أزال أعثر فيه بغريبه ، واطلع على عجيبة وأثير منه سرّا لطيفا ، وأطّلع خبيئا طريفا.
وأحد [الموضعين] (١) المذكورين في السورة التي يذكر فيها يوسف عليهالسلام ، وذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٢) فلم يرد بعد (فلما) خبر لها ، وهذا مثل الآية التي في الزمر سواء ، إلاّ أن تلك تداول الناس الاستشهاد في هذا الموضع بها ، وهذه خفيت عنهم ، فترك ذكرها.
وتأويل هذا كتأويل تلك لا خلاف بينهما ، لأن في قوله تعالى : (وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) دليلا على جعله فيه ، بقوّة العزم منهم ، والإجماع المنعقد بينهم ، وكأنّه تعالى قال : حتى إذا ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجبّ ، جعلوه هناك ، وأوحينا إليه ، فالموضعان متفقان.
والموضع الآخر قوله تعالى في الصافات (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ.
__________________
(١) ما بين المعقوفين من المصدر.
(٢) يوسف ١٢ : ١٥.