ومن عجيب ما ذكره في الفصل الذي عقده لذكر بغضهم أهل البيت عليهمالسلام ، وأنّهم يدّعون محبتهم ، وجوارحهم لهم مكذبة.
قال : ومن عجيب أمرهم ما سمعته أنّهم في المغرب بمدينة قرطبة يأخذون في ليلة عاشوراء رأس بقرة ميتة ويجعلونه على عصا ويحمل ويطاف به الشوارع والأسواق ، وقد اجتمع حوله الصبيان ويصفقون ويلعبون ، ويقفون به على أبواب البيوت ، ويقولون : يا ستي المروسنة أطعمينا المطنفسة ، يعنون القطائف ، وأنها تعدّ لهم ، ويكرمون ويتبركون بما يفعلون.
وحدثني شيخ بالقاهرة من أهل المغرب كان يخدم القاضي أبا سعيد بن العارفي ، أنه كان ممّن يحمل هذا الرأس في المغرب وهو صبي في ليلة عاشوراء.
أفترى هذه من فرط المحبّة لأهل البيت عليهمالسلام ، وشدة التفضيل لهم على الأنام؟
وقد سمع هذه الحكاية بعض المتعصبين لهم ، فتعجب منها وأنكرها ، وقال : ما يستجيز مؤمن أن يفعلها.
فقلت : أعجب منها حمل رأس الحسين عليهالسلام بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما على رمح عال ، وخلفه زين العابدين عليهالسلام مغلول اليدين إلى عنقه ، ونساؤه وحريمه معه سبايا مهتكات على أقتاب الجمال ، يطاف بهم البلدان ، ويدخل بهم الأمصار التي أهلها يظهرون الإقرار بالشهادتين ، ويقولون : إنّهم من المسلمين ، وليس فيهم منكر ، ولا أحد منفر ، ولم يزالوا بهم كذلك إلى دمشق ، وفاعلوا ذلك يظهرون الإسلام ، ويقرءون القرآن ، ليس منهم إلاّ من تكرر سماعه قول الله سبحانه : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١) فهذا أعظم من حمل رأس بقرة في بلدة واحدة.
ومن عجيب قولهم أنّ أحدا لم يشر بهذا الحال ، ويستبشر بما جرى فيها
__________________
(١) الشورى ٤٢ : ٢٣.