قال : يا مولاي ، إن رأيت أن تمنّ على عبدك فتخبره بعزمك هذا ليعرفه ، ويضمّ عليه جوانحه ، قال : لم يأن ذلك بعد ، وإذا كان فأنت موضع سري ، ومستودع أمانتي.
فتركه سنة ، فدعاه ، فقال : أي بني ، قد أردتك للأمر الذي كنت أرشحك له.
قال له : يا مولاي مرني بما شئت ، فو الله لا تزيدني الأيام إلاّ طاعة لك.
قال : إن جاري فلانا قد بلغ مني مبلغا أحبّ أن أقتله.
قال : فأنا أفتك به الساعة.
قال : لا أريد هذا ، وأخاف أن لا يمكنك ، وإن أمكنك ذلك أحالوا ذلك عليّ. ولكنّي دبّرت أن تقتلني أنت وتطرحني على سطحه ، فيؤخذ ويقتل بي.
فقال له الغلام : أتطيب نفسك بنفسك ، وما في ذلك تشف من عدوك؟ وأيضا فهل تطيب نفسي بقتلك ، وأنت أبرّ من الوالد الحدب والام الرفيقة؟
قال : دع عنك هذا ، فإنّما كنت أربّيك لهذا ، فلا تنقض عليّ أمري ، فإنه لا راحة لي إلاّ في هذا.
قال : الله الله في نفسك يا مولاي ، وأن تتلفها للأمر الذي لا تدري أيكون أم لا ، وإن كان لم تر منه ما أمّلت وأنت ميّت.
قال : أراك لي عاصيا ، وما أرضى حتى تفعل ما أهوى.
قال : أما إذا صحّ عزمك على ذلك فشأنك وما هويت ، لأصير إليه بالكره لا بالرضا ، فشكره على ذلك ، وعمد إلى سكين فشحذها ودفعها إليه ، وأشهد على نفسه أنّه دبّره ، ودفع إليه من ثلث ماله ثلاثة آلاف درهم ، وقال : إذا فعلت ذلك فخذ في أي بلاد الله شئت. فعزم الغلام على طاعة المولى بعد التمنع والالتواء.