الوَاضِحُ البَيِّنُ المُسْتَقِيمُ به ، وأَنْشَدَ المَازِنيُّ في المَعَانِي :
ومَطِيَّةٍ مَلَثَ الظَّلامِ بَعَثْتُهُ |
|
يَشْكُو الكَلالَ إِلَيَّ دَامِي الأَظْلَلِ |
أَوْدَى السُّرَى بِقَتَالِه ومِزَاجِهِ (١) |
|
شَهْرَاً نَوَاحِي مُسْتَتِبٍّ مُعْمَلِ |
نَهْجٍ كَأَنْ حُرُثَ النَّبِيطِ عَلَوْنَه |
|
ضَاحِي المَوَارِدِ كالحَصِيرِ المُرْمَلِ |
نَصَبَ نَواحِيَ لأَنَّه جَعَلَهُ ظَرْفَاً ، أَرَادَ في نَوَاحِي طَرِيقٍ مُسْتَتِبٍّ ، شَبَّه ما في هذا الطَّرِيقِ المُسْتَتِبِّ من الشَّرَكِ والطُّرُقَاتِ بآثَارِ السِّنِّ ، وهو الحَديدُ الذِي تُحْرَثُ به الأَرْضُ ، وقال آخَرُ في مِثْلِه :
أَنْصَبْتُهَا مِنْ ضُحَاهَا أَوْ عَشِيَّتِهَا |
|
فِي مُسْتَتِبٍّ يَشُقُّ البِيدَ وَالأَكَمَا |
أَيْ في طَرِيقٍ ذي خُدُودٍ أَيْ شُقُوقٍ مَوْطُوءٍ بَيِّن ، وفي حدِيثِ الدُّعَاءِ : «حَتَّى اسْتَتَبَّ لَهُ مَا حَاوَلَ في أَعْدَائِك» أَيِ اسْتَقَامَ واسْتَمرَّ ، كُلُّ هذَا في لسان العرب. ومُقْتَضَى كَلَامِه أَنَّه من المَجازِ ، وهكذا صرَّحَ به الزمخشريُّ في الأَساس ، والمُؤَلِّفُ أَعْرَضَ عن ذِكْرِ الاسْتِتْبَابِ (٢) وتَرَكَ ما اشْتَدَّ إِليه الاحْتيَاجُ لِأُولِي الأَلْبَابِ ، وأَشَار شيخُنَا ، إِلى نُبْذَةٍ منه من غَيْرِ تَفْصِيلٍ ، ناقلاً عنِ ابنِ فَارِسٍ وابن الأَثيرِ ، وفيما ذَكَرْنَا مَقْنَعٌ للحاذِق البَصِير ، ويُفْهَمُ من تقرِير الشَّرِيشِيِّ شارحِ المقَامَاتِ عند قول الحَرِيرِيِّ في «الدِّينَارِيَّةِ» : كَمْ آمِر به اسْتَتَبَّتْ إِمْرَتَهُ ، أَي اسْتَتَمَّتْ ، الميمُ بَدَلُ البَاءِ وأَنَّ نَفْي النَّفْيِ إِثْبَاتٌ (٣).
والتِّبَّةُ بالكَسْرِ وتَشْدِيدِ المُوَحَّدَةِ : الحَالَةُ الشَّدِيدَةُ : وفي التَكْمِلَة : يقالُ : هُوَ بِتِبَّةٍ أَيْ حَال شَدِيدَةٍ.
ويُقَالُ : أَتَبَّ اللهُ قُوَّتَهُ أَيْ أَضْعَفَهَا وهُوَ مَجَازٌ. وَتَبْتَبَ ، كَدَحْرَجَ : شَاخَ مِثْلُ تَبَّ ، نَقَله الصاغانيّ ، وهو مَجَاز.
والتَّبِّيّ بالفَتْح ويُكْسَرُ : تَمْرٌ بالبَحْرَيْنِ كالشِّهْرِيزِ بالبَصْرَة ، وهو بالكَسْرِ ، وقال أَبو حنيفة : وهو الغَالِبُ على تَمْرِهِمِ ، يَعْنِي أَهُلَ البَحْرِينِ. وفي التهذِيب : رَدِيءٌ يأْكُلُهُ سُقَّاطُ النَّاسِ ، قَالَ الجَعْدِيُّ :
وأَعْرَضَ بَطْناً عنْد دِرْعٍ تَخَالُهُ |
|
إِذا حُشيَ الِتَّبِّيَّ زِقَّا مُقَيَّرَا |
[تجب] : التِّجَابُ كَكِتَاب ، أَهمله الجَوهريّ هنا ، وقال الليث : هو مَا أُذِيبَ مَرَّةً من حِجَارَةِ الفِضَّةِ وقَدْ بَقِي فيه مِنها ، أَي الفِضَّة ، والقطْعَة منه تِجَابَةٌ ، هذا نَصُّ ابن سيده في المُحْكَم ، وقَدْ خالَفَ قاعِدَته هُنا في ذِكْرِه الوَاحِد بِهَاءٍ ، وقال ابنُ جهْوَر : التُّجِيبَةُ : قِطْعَةُ الفِضَّةِ النَّقِيَّةُ ، وقال ابن الأَعْرَابيّ : التِّجْبَابُ ، بالكسْرِ على تِفْعَالٍ : الخَطُّ منَ الفضَّة يكونُ فِي حَجَرِ المَعْدِنِ ، وهذه المادة ذكرها الجوهَرِيُّ في «ج و ب» بِنَاءً على أَنَّ التَّاءَ زائدةٌ والمؤلفُ جَعَلها أَصْلِيَّةً ، فأَوْرَدَهَا هُنَا بالحُمْرَة ، ولَا اسْتِدْرَاكَ ولَا زِيادة ، قاله شيخُنا.
وتُجيبُ بالضَّم ، كَمَا جَزَمَ به أَهْلُ الحَدِيثِ ، وأَكْثَرُ الأُدباءِ ويُفتح كَمَا مَالَ إِليه أَهْلُ الأَنسابِ ، وفي اقْتِبَاس الأَنْوار : كذا قَيَّدَه الهَمْدَانِيُّ ، وقالَ القَاضِي عياضٌ : وبِه قَيَّدْنَاهُ عن شُيُوخِنَا ، وكان الأُسْتَاذُ أَبو مُحَمَّد بنِ السيدِ النَّحَويُّ يَذْهَبُ إِلى صِحَّةِ الوَجْهَيْنِ ، وتَاؤُه أَصْلِيَّةٌ على رَأْيِ المُصَنِّف تَبعاً للخليل في العَيْنِ ، وتَعقَّبَه أَئمَّةُ الصَّرْفِ ، وعندِ الجَوْهريِّ وابنِ فارٍس وابنِ سِيدَه زائدةٌ ، فذكرُوه في «ج وب» وارتَضَاهُ ابنُ قرقول في المَطَالعِ والنَّووِيُّ وابنُ السيد النَّحوِيِّ ، وصَرَّحُوا بِتَغْلِيطِ صَاحبِ العَيْنِ : بَطْنٌ مِنْ كِنْدَة ، قال ابنُ قُتَيْبَةَ : يَنْتَسِبُونَ إِلى جَدَّتِهِم العُلْيَا ، هِيَ تُجِيبُ بِنْتُ ثَوْبَانَ بنِ سُلَيْم (٤) بنِ مَذْحِجٍ ، وقال ابنُ الجوّانيّ : هِيَ تُجِيبُ بنْتُ ثَوْبَانَ بنِ سُلَيْم بن رَهَاءِ بن مُنَبِّه بنِ حُرَيْثِ بنِ عِلَّة بنِ جَلْدِ بنِ مذحِجٍ وهيَ أُم عَدِيّ وسَعْدٍ ابْنَيْ أَشْرَسَ بنِ شَبِيبِ بنِ السَّكُونِ ، قال ابنُ حَزْم : كُلُّ تُجِيبِيٍّ سَكُونِيٌّ وَلَا عَكْس مِنْهُمْ كِنَانَةُ بنُ بِشْر التُجِيبِيُّ قَاتِلُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
__________________
ـ مفعول أي ملحوب تقول منه لحبه يلحبه لحباً إِذا وطئه وسر فيه اه».
(١) اللسان : «ومراحه» وفي الأساس «ومراسه».
(٢) بالأصل : الاستباب ، وبهامش المطبوعة المصرية : «قوله ذكر الاستتباب كذا بخطه ولعله الاستتباب كما هو واضح اه».
(٣) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله وأن نفي النفي إثبات تتأمل هذه العبارة ويراجع الشريشي اه».
(٤) في جمهرة ابن حزم ص ٤٢٩ : سُليم بن رهاء من مذحج.