التنزيل (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) (١) بالتَّشْدِيدِ ، قَالَهُ الزَّجَّاج ، وهو فِيعَالٌ ، مِنْ أَيَّبَ فَيْعَلَ مِنْ آبَ يَؤُوبُ ، والأَصل إِيواباً ، فأُدْغِمَتِ اليَاءُ في الوَاوِ وانْقَلَبَتِ الواوُ إِلى اليَاءِ ، لأَنَّها سُبِقْت بسُكُونٍ ، وقال الفرّاءُ : هو بتخفيف الياء ، والتشديدُ فيه خَطَأٌ ، وقال الأَزهَرِيّ : لَا أَدْرِي مَنْ قَرَأَ إِيَّابَهُمْ بالتَّشْدِيدِ ، والقُرَّاءُ علَى «إِيابَهُمْ» بالتَّخْفِيف ، قُلْتُ التَّشْدِيدُ نَقَلَه الزَّجَّاج عن أَبِي جعْفرٍ ، وقال الفراءُ : التَّشْدِيدُ فيه خَطَلٌ ، نقله الصاغانيُّ.
والأَوْبَةُ والأَيْبَةُ ، على المُعَاقَبَةِ ، والإِيبَةُ بالكسر ، عن اللحيانيّ. والتَّأْوِيبُ والتَّأْبِيب والتَّأَوُّبُ والإِئتيابُ من الافْتَعَال كما يأْتي : الرُّجُوعُ ، وآبَ إِلى الشَّيْءِ رَجَعَ ، وَأَوَّبَ وتَأَوَّبَ وأَيَّبَ كُلُّه : رَجَع ، وآبَ الغَائِبُ يَؤُوبُ مَآباً : رَجَعَ ، ويقال : لِيَهْنِكَ (٢) أَوْبَةُ الغَائِب ، أَيْ إِيَابُه ، وفي الحَدِيثِ «آيِبُونَ تَائِبُون» هو جَمْعُ سَلَامَة لِآيبٍ ، وفي التنزيل (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) (٣) أَيْ حُسْنَ المَرْجِع الذي يَصيرُ إِليه في الآخِرَةِ ، قال شَمِرٌ : كلُّ شيءٍ رَجَع إِلى مَكَانِه فقد آبَ يَؤُوب فهو آيِبٌ ، وقَالَ تعَالَى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) (٤) أَيْ رَجِّعِي التَّسْبيحَ مَعَه وقرِىءَ «أُوبِي» أَي عُودِي مَعَهُ في التَّسْبِيح كُلَّمَا عَادَ فيه.
والأَوْبُ السحَابُ ، نقله الصاغانيُّ و : الرَّيحُ نقله الصاغانيّ أَيضاً و : السُّرْعَةُ. وفي الأَسَاس : يقال للمُسْرِع في سَيْرِه : الأَوْب أَوْبُ نَعَامةٍ (٥).
والأَوْبُ : رَجْعُ القَوَائِمِ ، يقال : مَا أَحْسَنَ أَوْبَ ذِرَاعَيْ (٦) هذه النَّاقَةِ ، وهو رَجْعُهَا قَوَائِمَهَا فِي السَّيْرِ ، وَمَا أَحْسَنَ أَوْبَ يَدَيْهَا ، ومنه نَاقَةٌ أَوُوبٌ ، على فَعُول ، والأَوْبُ : تَرْجِيعُ الأَيَادِي (٧) والقَوَائِمِ ، قال كعبُ بنُ زُهَيْر :
كَأَنَّ أَوْبَ ذرَاعَيْهَا وَقَد عَرِقَتْ |
|
وقَدْ تَلَفَّعَ بالقُورِ العَسَاقِيلُ |
أَوْبُ يَدَيْ فَاقد شَمْطَاءِ مُعْولَةٍ |
|
نَاحَتْ وجَاوَبَهَا نُكْدٌ مَثَاكِيلُ (٨) |
والأَوْبُ : القَصْدُ والعَادَة والاسْتِقَامَةُ ومَا زَالَ ذلكَ أَوْيَهُ ، أَيْ عَادَتَه وهِجِّيراهُ والأَوْبُ : جَمَاعَةٌ النَّحْلُ وهو اسْمُ جَمْعٍ ، كَأَنَّ الوَاحِدَ آيِبٌ قال الهُذَلِيُّ :
رَبَّاءُ شَمَّاءُ لَا يَدْنُو لِقُلَّتِهَا |
|
إِلَّا السَّحَابُ وإِلَّا الأَوْبُ والسَّبَلُ |
وقال أَبُو حَنِيفَةَ : سُمِّيَتْ أَوْباً لإِيَابِهَا إِلى المَبَاءَة ، قال : وهي لا تَزَالُ في مَسَارِحِهَا ذَاهِبَةً ورَاجِعَةً ، حتى ، إِذا جَنَحَ الليلُ آبَتْ كُلُّهَا حتى لا يَتَخَلَّفَ منها شيءٌ.
والأَوْبُ : الطَّرِيقُ والجِهةُ والنَّاحِيَةُ ، وجاءُوا مِنْ كُلِّ أَوْب أَيْ مِنْ كُلِّ طَرِيق وَوَجْه ونَاحِيَةٍ ، وقيل ، أَيْ مِنْ كُلّ مَآب ومَسْتَقَرٍّ ، وفي حديث أَنَس «فآبَ إِلَيْهِ نَاسٌ» أَي جَاءُوا إِليه من كُلِّ ناحِيَة. والأَوْبُ : الطَّرِيقَةُ ، وكُنْت عَلَى صَوْبِ فلانٍ وَأَوْبِه أَيْ عَلَى طَرِيقَتِه ، كَذَا في الأَسَاسِ. ومَا أَدْرِي في أَيِّ أَوْب (٩) ، أَي طَرِيقٍ أَو جِهَةٍ أَو نَاحِيَةٍ أَو طَرِيقة ، وقال ذو الرُّمّة يَصِفُ صَائِداً رَمَى الوَحْشَ :
طَوَى شَخْصَه حَتَّى إِذَا مَا تَوَدَّقَتْ |
|
عَلَى هِيلَةٍ مِنْ كُلِّ أَوْبٍ تُهَالُهَا |
عَلَى هِيلَةٍ أَيْ فَزَعٍ من كُلِّ أَوْبٍ أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْه ، ورَمَى أَوْباً أَوْ أَوْبَيْنِ ، أَيْ وَجْهاً أَوْ وَجْهَيْنِ ، وَرَمَيْنَا أَوْباً أَوْ أَوْبَيْنِ ، أَيْ رَشْقاً أَوْ رَشْقَيْنِ ، وسيأْتي في نَدَبَ.
والأَوْبُ : وُرُودُ المَاءِ لَيْلاً أُبْتُ الماءَ وتَأَوَّبْتُهُ ، إِذَا وَرَدْتَهُ لَيْلاً ، والآيِبَةُ : أَنْ تَرِدَ الإِبِلُ المَاءَ كُلَّ لَيْلَةٍ ، أَنشد ابنُ الأَعْرَابيّ :
لَا تَردِنَّ المَاءَ إِلَّا آيِبَهْ |
|
أَخشَى علَيك معْشَراً قَرَاضِبَهْ |
سُودَ الوُجُوهِ يَأْكُلُونَ الآهِبَهْ |
__________________
(١) سورة الغاشية الآية ٢٥.
(٢) اللسان : ليهنئك.
(٣) سورة ص الآية ٢٥ والآية ٤٠.
(٤) سورة سبأ الآية ١٠.
(٥) عن الأساس ، وبالأصل : الأوب الأوب.
(٦) اللسان : دواعي.
(٧) اللسان والمقاييس : الأيدي.
(٨) كذا أنشد البيتان متتاليين بالأصل وفي اللسان ، وفي شرح البردة لابن هشام ص ٦٤ ـ ٦٦ بينهما بيتان معترضان هما :
يوما يظل به الحرباء مصطخدا |
|
كأن صاحبه بالشمس مملول |
وقال للقوم حاديهم وقد جعلت |
|
ورق الجنادب يركضن الحصى قيلوا |
(٩) الأساس : وما يدري في أي أوب هو.