بَابُ البَاء
وهي من الحروف المَجْهُورَةِ ، ومن الحروف الشَّفَوِيَّةِ ، وسُمِّيَتْ بها لأَن مَخْرجَهَا من بين الشفتين ، لا تعمل الشفتانِ في شيء من الحروف إِلا فيها ، وفي الفاء والميم ، وقال الخليل بن أَحمد : الحُرُوفُ الذُّلْقُ والشفوية : سِتَّةٌ (١) : يَجْمَعُهَا قولك : «رُب مَنْ لَفَّ» ولسُهُولَتِهَا في المَنْطِق كَثُرَت في أَبْنِيَة الكَلَام ، فليس شيء من بِنَاء الخُمَاسِيّ التامِّ يَعْرَى منها ، أَو من بعضها ، فإِذا ورد عليك خُمَاسِيٌّ مُعْرًى من الحروف الذُّلْقِ والشفويّة فاعلم أَنه مُوَلَّدٌ ، وليس من صَحِيحِ كَلَامِ العربِ ، وقال شيخنا : إِنها تقلب مِيماً في لغة مَازِنٍ ، كما قاله أَهل العربية.
فصل الهمزة
مع الباء
[أبب] الأبُّ : الكَلأُ ، وهو العُشْبُ رَطْبُه ويَابسُه ، وقد مَرَّ أَو المَرُعَى كما قاله ابن اليَزِيدِيِّ ، ونقله الهَرَوِيُّ في غَرِيبه ، وعليه اقْتَصَرَ البَيْضَاوِيُّ والزمخشريُّ ، وقال الزَّجَّاجُ : الأَبُّ : جميعُ الكَلإِ الذي تَعْتَلِفُهُ المَاشِيَةُ ، وفي التنزيل العزيزِ (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (٢) قال أَبو حَنِيفَةَ : سَمَّى اللهُ تعالى المَرْعَى كُلَّه أَبًّا ، قال الفَرَّاءُ : الأَبُّ ما تأْكُلُه الأَنْعَامُ ، وقال مُجَاهِدٌ : الفَاكِهَة : ما أَكلَهُ الناسُ ، والأَبُّ : ما أَكَلَتِ الأَنْعَامُ ، فالأَبُّ مِن المَرْعَى للدوابِّ كالفاكهة للإِنْسَانِ ، قال الشاعر :
جَذْمُنَا قَيْسٌ ونَجْدٌ دَارُنَا |
|
ولَنَا الأَبُّ بِهِ والمَكْرَعُ |
أَو كُلُّ مَا أَنْبَتَتِ الأَرْضُ أي ما أَخرجته من النبات ، قاله ثعلب ، وقال عطاء : كل شيءٍ ينبتُ على وجهِ الأَرضِ فهو الأَبُّ والخَضِرُ (٣) من النبات ، وقيل التِّبْنُ ، قاله الجَلَالُ ، أَي لأَنه تأْكله البهائم ، هكذا في النسخ ، والخَضِرُ كَكَتِف ، وعليه شرح شيخنا ، وهو غَلَطٌ ، والصواب : الخَصِرُ ، بالصاد المُهْمَلَةِ الساكنة ، كما قَيَّدهُ الصاغانيّ ، ونسبه لهُذَيْلِ ، وفي حديث أَنس ، أَن عُمَرَ بنَ الخطابِ ، رضياللهعنهما ، قرأَ قوله عزوجل (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) وقال : فما الأَبُّ : ثمَّ قال : ما كُلِّفْنَا أَو مَا أُمِرْنَا بهذا. والأَبُّ : المَرْعَى المُتَهَيِّئُ للرَّعْي والقَطْعِ ، ومنهحديث قُسِّ بنِ ساعدةَ «فَجَعَلَ يَرْتَعُ أَبًّا وأَصيدُ ضَبًّا» وفي الأَساس : وتقول : فُلَانٌ رَاعَ لَهُ الحَبُّ وَطَاعَ لَهُ الأَبُّ. أَي زَكَا زَرْعُه واتَّسَع مَرْعَاهُ.
والأَبُّ ، بالتشديد : لُغَةٌ في الأَبِ ، بالتخفيف بمعنى الوَالِد ، نقله شيخنا عن ابن مالك في التسهيل. وحكاه الأَزهريّ في التهذيب وغيرهما ، وقالوا : اسْتَأْبَبْتُ فلاناً ، ببائَيْنِ ، أَيِ اتَّخَذْتُه أَباً. نَبَّه على ذلك شيخُنا مُسْتَدْرِكاً على المُصَنِّفِ.
قُلْتُ : إِنَّمَا لم يذكرْه لنُدْرَتِهِ ومخالفتِه للقياس ، قال ابنُ الأَعرابيّ : اسْتَئِبَّ أَباً : اتَّخِذْهُ ، نَادِرٌ ، وإِنما قِيَاسُه اسْتَأْبِ.
وأَبُّ : د باليَمنِ قال أَبُو سَعْدٍ : بُلَيْدَةٌ باليَمَنِ يُنْسب إِليها أَبُو مُحَمَّدٍ عبدُ الله بنُ الحَسَن بنِ الفَيَّاضِ الهاشِمِيُّ ، وقال أَبو طاهر السِّلفيّ : هي بكسر الهمزة ، قال : سمعت أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ العَزِيز بنَ موسى بنِ مُحَسّن القَلْعِيَّ يقول : سمعت عُمَرَ بنَ عبدِ الخَالِقِ الإِبِّيّ يقول : بَنَاتِي كُلُّهُنَّ حِضْنَ لتِسْعِ سِنِينَ ، كَذَا في المُعْجَمِ.
قُلْتُ : ونُسِبَ إليها أَيضاً الفَقيهُ المُحَدِّث أَبو العباس
__________________
(١) وهي : الراء واللام والنون والفاء والباء والميم (عن اللسان).
(٢) سورة عبس الآية ٣١.
(٣) في إحدى نسخ القاموس : والخَضْرُ.