وقال آخرُ في ترك الهمز :
إِذا دَبَبْتَ عَلَى المِنْسَاةِ مِنْ هَرَمٍ |
|
فَقَدْ تَبَاعَدَ عَنْكَ اللهْوُ والغَزَلُ |
وإِنما سُمِّي بها لأَنَّ الدَّابَّة تُنْسَأُ بِهَا أَي تُزْجَرُ لِيزدادَ سَيْرُها ، أَو تُدْفَع أَو تُؤَخَّر ، قال ابنَ سيده : وأَبدلوا هَمْزها إِبدالاً كُلِّيًّا فقالوا : مِنْسَاة ، وأَصلها الهمز ، ولكنه بَدَلٌ لازمٌ ، حكاه سيبويهِ ، وقد قُرِئَ بِهما جَمِيعاً ، ومن ذلك قولُ الفَرَّاءِ في قوله عزوجل (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) (١) فيما نقله عنه ابنُ السَّيّد البَطَلْيُوسي ما نَصُّه يَجُوزُ ، يَعْنِي في الآية المذكورة مِنْ سَأَتِهِ ، بفصل مِن عَنْ سَأَتِه على أَنّه حَرْفُ جرٍّ ، والسَّأَةُ لُغَةٌ في سِيَةِ القَوْسِ قال ابنُ عادِل والسِّيَةُ : العَصَا أَو طَرَفُها ، أَي تَأْكُل مِن طَرَف عَصَاه ، وقد رُوِي أَنه اتَّكأَ على خَضْرَاءَ مِنْ خَرْنُوبٍ ، وإِلى هذه القِرَاءَة أَشارَ البَيْضَاوِي وغيرُه من المُفَسِّرين ، ونقل شيخُنا عن الخَفَاجي في العناية أَنه قُرِئَ مِنْ سَأَتِه ، بمِن الجَارَّة ، وسأَتِه بالجَرِّ بمعنى طَرَف العصا ، وأَصلُها : ما انْعَطف من طَرَفي القَوْسِ ، استعِيرتْ لما ذُكِرَ ، إِما استعارة اصطلاحِيَّة ، لأَنه قيل : إِنها كانتْ خَضْراءَ فاعوَجَّتْ بِالاتِّكاء عليها ، أَو لُغَويَّة باستعمالِ المُقَيَّد في المُطْلَق ، انتهى ، ثم قال : وهذه القراءَةُ مَرْوِيَّةٌ عن سَعيد بن جُبِيْرٍ وعن الكِسائيّ. تقول العَرُب سَأَة القَوْسِ وَسِئَتُها ، بالفتح والكسر ، قال ابن السَّيّد البَطَلْيُوسِي لما نقل هذه القراءَة عن الفَرَّاءِ رَادًّا عليه ، وتبعه المُصنّف فقال : فِيه بُعْدٌ وتَعَجْرُفٌ ، لا يجوز أَن يُستعْمَل في كتاب الله عزوجل ما لمْ تَأتِ به رِوَايةٌ ولا سَمَاعٌ ، ومع ذلك هو غيرُ مُوافِقٍ لقصَّة سيِّدِنا سُليمانَ عليهالسلام ، لأَنه لم يَكُنْ مُعتَمِداً على قَوْس ، وإِنما كان مُعتمِداً على العَصا ، انتهى المقصودُ من كلام البَطَلْيُوسي ، وهو مَنقوضٌ بما تَقدَّم ، فتأَمَّلْ.
والنَّسْءُ بالفتح مهموزاً : الشَّرَابُ المُزِيلُ للعَقْلِ ، قال عُرْوَةُ بن الوَرْدِ العَبْسِيُّ :
سَقَوْنِي النَّسْءَ ثُمَّ تَكَنَّفُونِي |
|
عُدَاةَ اللهِ مِنْ كَذِبٍ وَزُورِ |
وبه فَسَّر ابنُ الأَعرابيّ النَّسْءَ هنا قال : إِنما سَقَوْهُ الخَمْرَ ، يُقَوِّي ذلك رِوَايَةُ سيبويهِ : سَقَوْني الخَمْرَ ، وسيأْتي خبر ذلك في ي س ت ع ر. واللّبَنُ الرَّقيقُ الكثيرُ الماءِ وفي التهذيب : المَمْذُوقُ بالماءِ ، ويقال نَسَأْتُ اللَّبنَ نَسْأً ونَسَأْتُه لَهُ ونَسَأْتُه إِيَّاه : خَلَطْتُه له بماءٍ ، واسمه النَّسْءُ كالنَّسِيءِ مثال فَعِيلٍ ، راجع إِلى اللبن ، قاله شيخُنا ، ولا بُعْدَ إِذا كان راجعاً إِليهما ، بدليل قَوْل صاحبِ اللسانِ : قال ابنُ الأَعرابي مَرَّةً : هو النِّسِيءُ ، بالكسر والمَدّ ، وأَنشد :
يَقُولُونَ لا تَشْرَبْ نِسِيئاً فَإِنَّهُ |
|
عَلَيْكَ إِذَا مَا ذُقْتَه لَوَخِيمُ |
وقال غيره : النَّسِيءُ ، بالفتح ، وهو الصواب ، قال : والذي قالَه ابنُ الأَعرابيّ خَطَأٌ ، لأَن فِعِيلاً ليس في الكلام إِلَّا أَن يكون ثاني الكَلمة أَحَدَ حُرُوفِ الحَلْق. قلت : وستأْتي الإِشارة إِلى مثله في شَهِد ، إِن شاءَ الله تعالى.
والنَّسْءُ أَيضاً : السِّمَنُ أَو بَدْؤُه يقال : جَرَى النَّسْءُ في الدَّوَابِّ ، يعني السِّمَنُ ، قال أَبو ذُؤَيبٍ يَصف ظَبْيَةً :
بِهِ أَبَلَتْ شَهْرَيْ رَبِيعٍ كِلَيْهِمَا |
|
فَقَدْ مَارَ فِيهَا نَسْؤُهَا وَاقْتِرَارُهَا |
أَبَلَتْ : جَزَأَتْ بِالرُّطْبِ عَن الماءِ ، ومَارَ : جَرَى ، والنَّسْءُ : بَدْءُ السِّمَنِ ، واقْترارُها : نِهَايَةُ سِمَنِها عَن أَكْلِ اليَبيسِ.
والنَّسْءُ بالتثليثِ : المرأَةُ المَظْنُونُ بها الحَمْلُ يقال : امرأَة نسءٌ كالنَّسُوءِ على فَعُولٍ ، تَسْمِية بالمصدر ، وقال الزمخشريُّ : ويروى نُسُوءٌ بضم النون ، عن قُطْرُب ، وفي الحديث كانت زَيْنبُ بِنْت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تحت أَبي العَاصِ بنِ الربِيع ، فلما خَرج رسُولُ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إِلى المدينة أَرْسَلها إِلى أَبِيها ، وهي نَسُوءٌ ، أَي مَظْنُونٌ بها الحَمْلُ. يقال : امرأَةٌ نَسُوءٌ ونَسْءٌ ، ونِسوةٌ نِسَاءٌ ، أَي تأَخَّر حَيْضُها ورُجِيَ حَبَلُها ، وهو من التأْخير ، وقيل : هو بمعنَى الزِّيادة ، من نَسَأْتُ اللَّبنَ إِذا جَعَلْتُ فيه الماءَ تُكَثِّرُه به ، والحَمْلُ زِيَادةٌ ، أَو الَّتِي ظَهَرَ بها حَمْلُها ، كأَنه أُخِذَ من الحَدِيث ، وهو أَنه صلىاللهعليهوآلهوسلم دَخَل على أُمِّ عامِرِ بن رَبِيعةَ ، وهي نَسُوءٌ ، وفي رِواية : نَسْءٌ ، فقال لها : «أَبْشِرِي بِعَبْدِ اللهِ خَلَفاً مِن عَبْدِ الله» فولَدَتْ غُلاماً فسَمَّتْه عبدَ الله.
__________________
ـ الصواب قد جاء حبلٌ بأحبل ، ويروى وأحبل بالرفع ، ورواية الأصل ـ هنا ـ بتقديم المفعول.
(١) سورة سبأ الآية ١٤.