أَو خاصٌّ بالجَحْدِ أَي لا يُتَكَلَّم به إِلَّا مع الجَحْد ، فإِن استعمل بغير ما ونحوها فهي مَنْوِيَّة ، على حسب ما يجيءُ عليه أَخوَاتُها وربما حَذفت العربُ حرْفَ الجَحْدِ من هذه الأَلفاظ وهو مَنْوِيٌّ ، وهو كقوله تعالى : (قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا) تَذْكُرُ يُوسُفَ (حَتّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) (١) أَي ما تَفْتَأُ كذا في سائر النسخ ، والصواب : لا تَفتأُ ، كما قدَّره جَميعُ النحاةِ والمُفسِّرِين (٢) ، ولا اعتبارَ بما قَدَّرَه المُصَنِّف وإِن تَبِع فيه كثيراً من اللغويين ، لأَنه غَفْلَةٌ ، قاله شيخُنا. وقال ساعدةُ بن جُؤَيَّةَ :
أَنَدَّ مِنْ قَارِبٍ دَرْجٍ قَوَائِمُهُ |
|
صُمٍّ حَوَافِرُه ما تَفْتَأُ الدَّلَجَا |
أَراد : ما تَفْتَأُ من الدَّلَج.
وفَتَأَ كمَنَع تكون تامَّةً بمعنى سَكَن ، وقيل كَسَر وأَطْفَأَ وهذه عن إِمام النحو أَبي عبد الله محمد بن مالك ذكره في كِتابه جمع اللغاتِ المُشْكِلة ، وعزاه أَي نَسَبه للفرَّاء ، وهو صحيح أوْرَدَه ابنُ القُوطِيَّة وابنُ القطَّاع ، قال الفرَّاءُ : فَتَأْتُه عن الأَمرِ : سَكَّنْتُه ، وفَتَأْتُ النَّارَ أَطفأْتُها وغلِطَ الإِمام أَثير الدين أَبو حَيَّان الأَندلسيُّ وغَيْرُه في تَغليطه إِياه حيث قال : إِنه وَهَمٌ وتصحيف عن فَثَأَ ، بالثاء المثلَّثة ، قالوا : وهذا من جُمْلة تَحامُلاتِ أَبي حيَّانَ المُنْبِئَة على قُصوره ، قاله شيخنا.
[فثأ] : فَثَأَ الرجلُ الغَضَبَ كمَنَع (٣) يَفْثَؤُه فَثْأً : سَكَّنَه بِقَوْلٍ أَو غيرِه وكسَره. وفي الأَساس : ومن المجاز : فَثَأْتُ غَضَبَه ، وكان زيدٌ مغتاظاً عليك فَفَثَأْتُه ومن أَمثالهم ، أَي في اليسير من البِرِّ «إِن الرَّثِيئَةَ تَفْثَأُ الغَضَب» (٤) انتهى وقد تقدم معنى المثل في رث أَو في حديث زِيادٍ : لهو أَحبُّ إِليَّ مِن رَثِيئَةٍ فُثِئَتْ بِسُلالَة (٥) ، أَي خُلِطَتْ به وكُسِرَتْ حِدَّته ، وفَثِىءَ هو أَي كفرح : انكسر غَضَبُه وفَثَأَ القِدْرَ يَفْثَؤُه فَثْأً وفُثُوءاً المصدران عن اللحيانيّ : سَكَّن غَلَيانَها بماءٍ بارد أَو قَدْح بالمِقْدَحة ، قال الجَعْدِيُّ رضياللهعنه :
تَفُورُ عَلَيْنَا قِدْرُهُمْ فَنُدِيمُها |
|
ونَفْثَؤُهَا عَنَّا إِذَا حَمْيُهَا غَلَا |
بِطَعْنٍ كَتَشْهَاقِ الجِحَاشِ شَهِيقُهُ |
|
وضَرْبٍ لَهُ مَا كَانَ مِنْ سَاعِدٍ خَلَا |
وكذلك أَنشدهُ الجوهريُّ وابنُ القُوطِيَّة وابن القطّاع ، ونَسَبه في التهذيب إِلى الكُمَيْتِ. وقِدْرُهم ، أَي حَرْبُهم.
وسَكَّن بالتضعيف ، وغَليَانَها منصوب على المفعولية ، وفي بعض النسخ بالتخفيف ، وغليانها مرفوع ، وهو غَلط ، وتقول : غَلَتْ بُرْمَتُكم فَفَثَأْتُها ، أَي سَكَّنْتُ غَلَيانَها. ومن المجاز : أَطْفَأَ فُلانٌ النَّائِرَة ، وفَثَأَ القُدُورَ الفَائِرَة ، كذا في الأَساس. وفَثَأَ الشيْءَ يَفْثَؤُهُ فَثْأً وفُثُوءاً سَكَّن بالتضعيف بَرْدَه بالتَّسْخِين وفَثَأْتُ الماءَ فَثْأً إِذَا ما سَخَّنْتَه ، عن أَبي زيد ، وكذلك كلّ ما سَخَّنْتَه وفَثَأَتِ الشمسُ الماءَ فُثُوءاً : كَسَرَتْ بَرْدَه وفَثأَ الشَّيْءَ عنه يَفْثَؤُه فَثْأً : كَفَّه ومَنعه. وفَثَأْتُ (٦) عَنِّي فُلاناً فَثْأً إِذا كَسَرْتَه (٦) عنك بقولٍ أَو غيره وفَثَأَ اللَّبَنُ يَفْثَأُ فَثْأً إِذا أُغْلِيَ فَارتفَع له زَبَدٌ (٧) وتَقَطَّعَ من التَّغَيُّرِ فهو فاثِئٌ ، عن أَبي حاتم ، وجوَّزَ شيخُنا نَصْبَ اللبن.
وعَدَا الرجلُ حتَّى أَفْثَأَ أَي أَعْيَا وانْبَهَرَ وفَتَرَ قالت الخَنساءُ :
أَلَا مَنْ لِعَيْنِي لَا تَجِفُّ دُمُوعُها |
|
إِذا قُلتُ أَفْثَتْ تَسْتَهِلُّ فَتَحْفِلُ |
أَرادَتْ أَفْثَأَتْ ، فَخفَّفَت وأَفْثَأَ الحَرُّ : سَكَنَ وفَتَر ، وزعم شيخنا أَن فيه إِيجازاً بالغاً رُبَّما يُؤَدِّي إِلى التخْليطِ وهو على بادِىء النَّظر كذلك ، ولكن فَتَر مَعطوفٌ على أَعْيَا وسَكَنَ ، وما بعدَه ليس من معناه ، كما بَيَّنَا ، فلا يكون تخليطاً ، وأَما الإِيجاز فمن عادته المَسْلوفَةِ لا يُؤَاخذُ في مِثلِه وأَفثَأَ بالمكان : أَقَامَ به ، يقال : قد نَوَيْتُم المَسيرَ حتى (٨) أَقمتُم عنه وأَفثَأْتُم ، وأَطبقَت السماءُ ثم أَفثأَتْ (٩) وما تَفْشأُ تَفعل بمعنى
__________________
(١) سورة يوسف الآية ٨٥.
(٢) بهامش المطبوعة المصرية : أي لأن النحاة ذكروا أن من شروط حذف الثاني أن يكون «لا» اه.
(٣) في القاموس «كجمع» وفي نسخة «كمنع».
(٤) عبارة الأساس : «ففثأته عنك ، وفي المثل : إن الرثيئة مما يفثأ الغضب».
(٥) مرّ ، مادة (رثأ) وانظر النهاية.
(٦) عن اللسان ، وبالأصل : وفثأ عني ... كسره.
(٧) ضبط اللسان : زُبْدٌ.
(٨) الأساس : ثم.
(٩) زيد في أساس البلاغة : أي أجهت.