مالِكٍ : وأَرْجَأَ رسولُ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أَمْرَنَا ، أَي أَخَّرَه ، والإِرجاءُ : التأْخير وأَرجأَت الناقةُ : دَنَا نَتَاجُها ، يهمز ولا يهمز ، وكذا أَرجَأَت الحامل إِذا دَنَتْ أَن يَخرُجَ ولدُها ، فهي مُرْجِىءٌ ومُرْجِئَةٌ وأَرجأَ الصَّائدُ : لم يُصِبْ شيئاً يقال : خرجْنا إِلى الصَّيْدِ فأَرْجَأْنا ، كَأَرْجَيْنَا ، أَي لم نُصِب شَيئاً وتَرْكُ الهَمْزِ لُغةٌ في الكُلِّ. قال أَبو عمرو : أَرجَأَت الناقةُ ، مهموزٌ ، وأَنشد لذي الرُّمَّةِ يصف بيضَةً :
وبَيْضَاءَ لا تَنْحَاشُ مِنَّا وَأُمُّهَا |
|
إِذَا مَا رَأَتْنَا زَالَ مِنَّا زَوِيلُهَا |
نَتُوجٍ وَلَمْ تُقْرِفْ لِمَا يُمْتَنَى لَهُ |
|
إِذَا أَرْجَأَتْ مَاتَتْ وَحَيَّ سَلِيلُهَا |
ويروى إِذا نُتِجَتْ ، وهذه هي الرواية الصحيحة ، وقال ابن السكيت : أَرْجَأْتُ الأَمرَ وأَرجَيْتُه إِذا أَخَّرْتَه وقُرِئ : (أَرْجِهْ) وأَرْجِئْه (١). وقوله تعالى : (٢) قال الزجاج : هذا مما خص الله تعالى به نبيَّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكان له أَن يُؤَخِّر مَن يشاء من نِسائه ، وليس ذلك لغيره من أُمَّتِه ، وله أَن يَرُدَّ مَن أَخَّر إِلى فِراشه ، وقُرِئ : (تُرْجِي) ، بغير هَمْز ، والهمز أَجْوَد ، قال : وأُرَى تُرْجِي مُخَفَّفاً من تُرْجِئُ ، لمكان (تُؤْوِي). وقرَأَ غيرُ المَدَنِيِّينَ والكُوفِيِّينَ وَعيَّاش قولَه تعالى وَآخَرُونَ مُرْجَئُون لِأَمْر اللهِ (٣) أَي مُؤَخَّرُونَ زاد ابنُ قُتيبة : أَي على أَمرِه حتَّى يُنْزِلَ اللهُ فِيهم ما يُرِيدُ وقُرِئ (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ) بفتح الجيم وسكون الواو (٤) ، ومنه أَي من الإِرجاء بمعنى التأْخير سُمِّيَتِ المُرْجِئةُ الطائفةُ المعروفةُ ، هذا إِذَا همزت ، فرجُلٌ مُرْجِئيٌ مثال مُرْجِعِيّ وإِذا لم تَهْمِزْ على لُغة مَن يقول مِن العرب أَرْجَيْتُ وأَخْطَيْتُ وَتَوضَّيْت فَرَجُلٌ مُرْجِيٌّ بالتشديد وهو قول بعضهم ، والأَوّل أَصحُّ ، وذهب إِليه أَكثرُ اللغوِيِّين وبَدَءُوا به ، وإِنكارُ شيخنا التشديدَ ليس بوجهِ سَدِيد وإِذا همَزْتَ فرَجُلٌ مُرْجِئٌ كمُرْجِعٍ ، لا مُرْجٍ كمُعْطٍ والنسبة إِليه المُرْجِئيُّ كمُرْجِعِيٍّ وَوهِم الجوهريُّ أَي في قوله إِذا لم تهمز قلت رَجُلٌ مُرْجٍ كمُعْطٍ ، وأَنت لا يخفاك أَن الجوهريَّ لم يَقُلْ ذلك إِلا في لُغة عَدمِ الهمز ، فلا يكون وَهَماً ، لأَنه قول أَكثر اللغويين ، وهو الموجود في الأُمَّهات ، وما ذهب إِليه المؤَلِّف هو قولٌ مَرجوح ، فإِما أَنه تَصحيفٌ في نسخة الصحاح التي كانت عند المؤلف أَو تحريف.
وهُمُ أَي الطائفةُ المُرْجِئةُ ، بالهمز ، والمُرْجِيَةُ ، بالياء مُخفَّفة لا مُشدَّدةً وقال الجوهريُّ : وإِذا لم تهمز قلتَ رجلٌ مُرْجٍ (٥) كمُعْطٍ ، وهم المُرْجِيَّةُ بالتشديد وَوَهِمَ في ذلك الجوهريُّ ، قال ابن بَرِّي في حواشي الصحاح قول الجوهريّ المُرْجِيَّة بالتشديد ، إِن أَراد به مَنْسوبون إِلى المُرْجِيَة بتخفيف الياء فهو صحيح ، وإِن أَراد به الطائفَة نفْسَها ، فلا يَجوزُ فيه تَشديدُ الياء ، إِنما يكون ذلك في المنسوب إِلى هذه الطائفة ، قال : وكذلك ينبغي أَن يُقال رجلٌ مُرْجِئيٌّ ومُرْجِيٌّ في النسب إِلى المُرْجِئَة والمُرْجِيَةِ.
قلت : وهذا الكلام يحتاج إِلى تأَمُّل صادِقٍ يكْشِف قِناعَ الوَهَمِ عن وَجْه أَبي نَصْرٍ الجوهريِّ. رحمهالله تعالى.
والمُرجئة طائفةٌ من المسلمين يقولون : الإِيمانُ قَوْلٌ بلا عَمَل. كأَنهم قَدَّمُوا [القول] (٦) وأَرْجَأَ العَمَل ، أَي أَخَّروه ، لأَنهم يَروْنَ أَنهم لو لم يُصَلُّوا ولم يَصومُوا لنجَّاهُم إِيمانهم. ويقول ابن عباس : أَلَا تَرَى أَنَّهم يُبايِعُونَ (٧) الذَّهب بالذّهب والطعامَ مُرْجاً أَي مُؤَجَّلاً مُؤَخَّراً ، يُهمزَ ولا يُهمز ، وفي أَحكام الأَساس تقول : عِشْ (٨) ولا تَغْتَرَّ بِالرَّجاء ، ولا يُغَرِّرْ بكَ (٨) مَذْهَبُ الإِرْجاء.
والتركيب يدل على التأْخير.
[ردأ] : الرِّدْءُ ، بالكسر في وَصِيّة عُمرَ رضياللهعنه عند موته : وَأُوصِيه بأَهلِ الأَمصارِ خَيراً ، فإِنهم رِدْءُ الإِسلام وجُباةُ المال : العَوْنُ والناصُر ، قال الله تعالى (فَأَرْسِلْهُ مَعِي
__________________
(١) من قوله تعالى : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) (الآية ١١١ من سورة الأعراف) قرأ أهل المدينة وعاصم والكسائي بغير همز وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابن محيصن وهشام بهمزة (تفسير القرطبي ٧ / ٢٥٧).
(٢) سورة الأحزاب الآية ٥١.
(٣) سورة التوبة الآية : ١٠٦.
(٤) قرأ حمزة والكسائي بغير همز. فقيل : هو من أرجيته أي أخرته. قال المبرد : لا يقال أرجيته بمعنى أخرته ، ولكن يكون من الرجاء.
(٥) في المطبوعة الكويتية : «مُرُج» خطأ.
(٦) زيادة عن اللسان.
(٧) في النهاية واللسان : يتبايعون.
(٨) في المطبوعة المصرية : «عس ... ولا يغررنك ..» وما أثبتناه يوافق ما جاء في أساس البلاغة.