وبوَّأَ الرُّمْحَ نَحْوَهُ : قَابَلُه به نحو هَيَّأَه ، كما ورد ذلك في الحديث (١). وبوَّأَ المَكانَ : حَلَّه وأَقامَ به كَأَبَاءَ بِهِ وَتَبَوَّأَ ، عن الأَخفش ، قال الله عزوجل : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) (٢) أَي اتَّخذا ، وقال أَبو زيد : التَّبَوُّؤُ : أَن يُعْلِمَ الرجُلُ الرجُلَ على المكان إِذا أَعجبه لِيَنْزلَه ، وقيل : تَبَوَّأَه إذا أَصلَحه وهَيأَه ، ويقال : تَبَوَّأُ فلانٌ منزلاً إِذا نَظر إِلى أَحْسَن (٣) ما يُرى وأَشَدِّه استواءٌ وأَمكَنِهِ لمَباءَته (٤) فاتخذه. وتَبَوَّأَ : نَزلَ وأَقام ، وقال الفراء في قوله تعالى : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) (٥) يقال : بَوَّأْته منزِلاً وأَثْوَيْتُه مَنزِلاً سواءٌ ، أَي أَنزلته ، وفي الحديث : «مَنْ كَذَب عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه مِنَ النَّارِ» أَي لِيَنْزِلْ مَنْزِلَه من النار.
ومن المجاز فُلانٌ طَيِّب المَبَاءَة أَي المَنْزِل (٦) وقيل : مَنْزِل القومِ في كُلِّ مَوْضعٍ ، وقيل : حيث يَتَبَوَّءُون مِنْ قِبَلِ وَادِ وسَنَدِ جَبَلٍ ، ويقال : هو رَحيب (٧) المَباءَةِ ، أَي سَخِيُّ واسعُ المعروفِ. وقرأْت في مُشكِل القُرآن لابنِ قُتَيْبَة وأَنشد :
وَبوَّأْتَ بَيْتَك فِي مَعْلَمٍ |
|
رَحِيبِ المَبَاءَةِ وَالمَسْرَحِ |
كَفَيْتَ العُفَاةَ كِلَابَ القِرَى |
|
وَنَبْحَ الكِلَابِ لِمُسْتَنْبِحِ (٨) |
كالْبِيئةِ بالكسر والبَاءَةِ قال طرفة :
طَيِّبُو البَاءَة سَهْلٌ وَلَهُمْ |
|
سُبُلٌ إِنْ شِئتَ في وَعْثٍ وَعِرْ |
والمَباءَة بَيْتُ النَّحْلِ في الجَبَلِ وفي التهذيب : هو المُرَاحُ الذي يَبِيتُ فيه. والمباءَة مُتَبَوَّأُ الوَلَدِ مِنَ الرَّحِمِ ، قال الأَعلم :
وَلَعَمْرُ مَحْبِلِكِ الهَجِينِ عَلَى |
|
رَحْبِ المَبَاءَة مُنْتِنِ الجِرْمِ |
ويُسمَّى كِنَاسُ الثَّوْرِ الوحشي مَباءَةً وكذلك المَعْطِنُ وفي اللسان : المباءَة مَعْطِنُ القَوْمِ (٩) للإِبلِ حيث تُنَاخ في المَوَارد. ويستعمل للغنم أَيضاً كما في الحديث ، وهو المُتَبَوَّأُ أَيضاً وأَبَاءَ بِالإِبِلِ ، هكذا في النُّسخ ، والذي في اللسان والعُباب : وأَباءَ الإِبلَ رَدَّهَا إِليه أَي إِلى المَباءَةِ : وأَبَأْتُ الإِبلَ مباءَةً أَنخْتَ بعضَها إِلى بعضٍ قال الشاعر :
حَليِفَانِ بَيْنَهُمَا مِيرَةٌ |
|
يُبِيئَانِ في عَطَنٍ ضَيِّقِ (١٠) |
وأَباءَ مِنْه : فَرَّ كأَن الهمزةَ فيه لِسلْبِ مَعنى الرُّجوع والانقطاع.
وأَباءَ الأَديِمَ : جعله فيِ الدِّبَاغِ ، وهو مذكورٌ في هامش بعضِ نُسَخ الصّحاح ، والذي في العُباب وأَبْأَتِ المرأَةُ أَدِيمَها : جعلته في الدِّباغ وَالبَوَاءُ بالمد : السَّوَاءُ والكُفْءُ يقال : القومُ بَوَاءٌ في هذا الأَمرِ ، أَي أَكْفاءٌ نُظرَاءُ ، ويقال دَمُ فُلانٍ بَوَاءٌ لدمِ فلانِ إِذا كان كُفُؤاً له ، قالت ليلى الأَخيلِيَّة في مَقَتل تَوْبَةَ بنِ الحُمَيِّر :
فإِنْ تَكُنِ القَتْلَى بَوَاءً فَإِنَّكُمْ |
|
فَتًى مَا قَتَلْتُمْ آلَ عَوْفِ بنِ عَامِرِ |
وفي الحَديِث : «الجرِاحَاتُ بَوَاءٌ» يعني أَنها مُتساوِيةٌ في القصاص ، وأَنه لا يُقْتَص للمجروح إِلَّا مِن جَارِحِهِ الجاني ، ولا يُؤْخَذُ إِلَّا مِثْلُ جِراحَته سَوَاء (١١) ، وفي حديثِ جَعفرٍ الصادِقِ قيل له : ما بَالُ العَقْرَبِ مُغْتَاظَةٌ على بَني آدَمَ : فقال : تُرِيد البَوَاءَ. أَي تُؤْذي كما تُؤْذَى.
وبواءٌ أيضاً وادٍ بِتهَامةَ ، كذا في العُباب والتكملة.
ويقال : كَلَّمناهم فَ أَجَابُوا عَنْ بَواءٍ واحدٍ أَي بِجَوَابٍ واحد أَي لم يَختلِف جوابُهم ، فعَنْ هُنا بمعنى الباءِ وفي
__________________
(١) في اللسان : وفي الحديث : أن رجلاً بوّأ رجلاً برمحه ، أي سدده قبله وهيّأه.
(٢) سورة يونس الآية : ٨٧.
(٣) اللسان : أسهل.
(٤) اللسان : لمبيته.
(٥) سورة العنكبوت الآية ٥٨.
(٦) الأساس : وفلان طيب الباءة : للعفيف الفرج ، جُعل طيب الباءة ، وهي المباءة والمنزل.
(٧) الأساس : رحبُ.
(٨) البيتان في تأويل مشكل القرآن ص ٣٤٥ وفيه : «طلاب القرى». لعلهما للعماني فإن له قصيدة في هذا الوزن والروي يمدح بها عبد الملك بن صالح الهاشمي (انظر الأغاني ١٧ / ٨١ ساسي).
(٩) عن اللسان ، الأصل : تعطن. وفي المجمل : «معطن الإبل». وفي المقاييس : منزل الإبل.
(١٠) المقاييس : «خليطان ... معطن ضيق». العين ، التهذيب ، اللسان.
(١١) زيد في اللسان : وما يساويها في الجرح ، وذلك البواء.