وتقواه أنّه بلغه أنّ بعض أهل العراق لا يخرج الزكاة ، فكان كلما اشترى من القوت شيئا زكويّا زكّاه قبل أن يتصرف فيه.
وأرسل إليه الأمير يونس بن حرفوش رحمهالله إلى مكة المشرّفة خمسمائة قرش ـ وكان هذا الرجل له أملاك من زرع وبساتين وغير ذلك ، يتوقى أن يدخل الحرام فيها ـ وأرسل إليه معها كتابة مشتملة على آداب وتواضع ، وكان له فيه اعتقاد زائد ، والتمس منه أن يقبل ذلك ، وأنه من خالص ماله الحلال وقد زكّاه وخمّسه فأبى أن يقبل ، فقال له الرسول : إنّ أهلك وأولادك في بلاد هذا الرجل وله بك تمام الاعتقاد ، وله على أولادك وعيالك شفقة زائدة فلا ينبغي أن تجبهه بالرد ، فقال : إن كان ولا بدّ من ذلك فأبقها عندك واشتر في هذه السنة بمائة قرش منها شيئا من العود والقماش وغيره ، ونرسله إليه على وجه الهدية ، وهكذا نفعل كل سنة حتى لا يبقى منه شيء ، فأرسل له ذلك تلك السنة وانتقل إلى رحمة الله ورضوانه.
وطلبه سلطان ذلك الزمان ـ عفى الله عنه ـ مرة من العراق فأبى ذلك ، وطلبه من مكة المشرفة فأبى ، فبلغه أنّه يعيد عليه أمر الطلب وهكذا صار فإنه عيّن له مبلغا لخرج الطريق ، وكان يكتب له ما يتضمن تمام اللطف والتواضع ، وبلغني أنّه قيل له : إذا لم تقبل الإجابة فاكتب له جوابا ، فقال : إن كتبت شيئا بغير دعاء له كان ذلك غير لائق ، وإن دعوت له فقد نهينا عن مثل ذلك ، فألحّ عليه بعض أصحابه وبعد التأمّل قال : ورد حديث يتضمن جواز الدعاء لمثله بالهداية ، فكتب له كتابة وكتب فيها من الدعاء : هداه الله ، لا غير.
وأخبرتني زوجته بنت السيد محمّد بن أبي الحسن رحمهالله وأم ولده : إنّه لمّا توفي كن يسمعن عنده تلاوة القرآن طول تلك الليلة.
ومما هو مشهور : أنّه كان طائفا فجاء رجل وأعطاه وردا من ورود شتّى ، ليست من ورود تلك البلاد ولا في ذلك الأوان ، فقال له : من أين أتيت؟