عليهم من أوّل الكتاب حديثا ، ومن وسطه آخر ، ومن آخره آخر. والمعنى أنّ الحديث الواحد إذا كان طويلا فاقرأ عليهم كلاما مفيدا بالاستقلال من أوله ، وآخر من وسطه ، وآخر من آخره ، يعني إذا اشتمل الحديث الواحد على جمل متعدّدة تكون كلّ منها مستقلة بالإفادة ، كحديث هشام الطويل الذي مضى.
وأمّا إذا ارتبط بعض أجزاء الحديث ببعض ، فلا يجوز فيه الاقتصار على نقل البعض ، إذ ليس كلّ من تلك الأجزاء بحديث بل بعض منه.
قيل : ولعلّ الوجه في تخصيص الأول والوسط والآخر أنّ الجمل المتقاربة تكون في أكثر الأمر من نوع واحد ، فليست الفائدة فيها كالتي تكون في الجمل المتباعدة ، إذ الكلام فيها ينتقل من نوع إلى نوع يباينه ، فالفائدة فيها لا محالة تكون أكثر ، لاحتوائها على فنون مختلفة من الأحكام ، كلّ منها نوع برأسه. انتهى (١).
وليت شعري ما الداعي إلى إرجاع الضمير في ( أوّله ) إلى الحديث حتى يحتاج إلى هذه التمحّلات الباردة.
قال العالم الجليل الآميرزا رفيع النائيني في شرح الكافي : أي يجيئني القوم لسماع حديثكم منّي ، فأقوم بقضاء حاجتهم ويستمعون مني حديثكم ، ولا أقوى على ما يريدون من سماع كلّ ما رويته من حديثكم منّي ، وأضجر لعدم الإتيان بمرادهم ، فقال عليهالسلام في جوابه : فاقرأ عليهم من أوّله ـ أي من أوّل كتاب الحديث ـ حديثا ، ومن وسطه حديثا ، ومن آخره حديثا. والمعنى أنّه إذا لم تقو على القيام بمرادهم وهو السماع على الوجه الكامل ، فاكتف بما يحصل لهم فضل السماع في الجملة ، وليعنعنوا بما به يجوز العمل والنقل من الإجازة ، وإعطاء الكتاب وغيره ـ كما ورد في الأخبار والأحاديث (٢) ـ وبذلك صرّح أيضا
__________________
(١) الوافي ١ : ٥٤.
(٢) شرح الكافي للنائيني : مخطوط.