كما زعمت الفلاسفة من أن الأجسام لها أصل أزلي هي المادة ، بل هو المخترع للممكنات بما فيها من المقادير والأشكال والنهايات ، والمبتدع للمخلوقات بما لها من الهيئات والآجال والغايات بمحض القدرة على وفق الإرادة والحكمة.
ويحتمل أن يقرأ : قدرة ـ بالرفع على الابتداء ـ أي له قدرة بان بها ـ أي بتلك القدرة الكاملة التي لا يتأبّي منها شيء ـ من الأشياء ، وبانت الأشياء منه ، لتحقّق تلك القدرة له لا لغيره. انتهى (١).
وقال العلامة المجلسي رحمهالله في مرآة العقول : قوله عليهالسلام : ( قدرة ) ـ أي له قدرة ـ أو هو عين القدرة ، بناء على عينيّة الصفاة. وقيل : نصب على التمييز ، أو على أنّها منزوع الخافض ، أي ولكن خلق الأشياء قدرة أو بقدرة. وفي التوحيد : قدرته ، فهو مبتدأ ، وبان بها خبره ، أو خبره كافية ، فكانت جملة استئنافية فكأنّ سائلا سأل وقال : كيف خلق لا من شيء؟ فأجاب : بأن قدرته كافية (٢).
إلى غير ذلك من كلماتهم التي يشبه بعضها بعضاً في شرح الفقرة المذكورة ، واتفاقهم على كون الكلمة قدرة ـ بالقاف ـ.
وأمّا المولى المذكور فقرأها فدرة ـ بالفاء ـ وهي ـ كما في القاموس وغيره ـ قطعة من اللحم ، ومن الليل ، ومن الجبل (٣) ، ولم يقنع بذلك حتى جعلها أصلا ، ورتّب عليه ما لا ربط له بالفقرة المذكورة ، فقال بعد مدح الخطبة وتوصيفها بما هي أهلها : فلنعقد لبيانها وشرحها عدّة فصول. إلى أن قال : الفصل الثالث : في نفي التركيب عنه تعالى ، قوله عليهالسلام : ( ما كان فدرة
__________________
(١) شرح الكافي للطبرسي ٤ : ١٦٨.
(٢) مرآة العقول ٢ : ٨٥.
(٣) القاموس المحيط ـ فدرة ـ ٢ : ١٠٨.