وَأَجْراً عَظِيماً) [الفتح : ٢٩]. وقد تدخل فى موضعٍ لو لم تدخل فيه كان الكلامُ مستقيمًا ، ولكنها توكيد بمنزلة ما ، إلا أنها تجرُّ ؛ لأنها حرف إضافة ، وذلك قولك : ما أتانى مِنْ رَجُلٍ ، وما رأيت من أحد ، لو أخرجتَ (مِنْ) كان الكلام حسنا ؛ ولكنه أكد بِمِنْ ؛ لأن هذا موضع تبعيض فأراد أنه لم يأته بعض الرجال والناس ، وكذلك وَيْحَهُ مِنْ رجل ، إنما أراد أن يجعل التعجب مِنْ بعض الرجال ، وكذلك لِى مِلْؤُه من عسل ، وهو أفضل مِنْ زيد ، إنما أراد أن يفضله على بعض ولا يعم ، وكذلك إذا قلت : أخزى اللهُ الكاذبَ مِنِّى ومِنْك ، إلا أن هذا وقولك أفضل منك لا يستغنى عن من فيهما ؛ لأنها توصل الأمر إلى ما بعدها.
قال سيبويه : وأما قولك : رأيته من ذلك الموضع فإنك جعلته غاية رؤيتك ، كما جعلته غايةً حيث أردت الابتداء والمنتهى.
قال اللحيانى : فإذا لقيت النون ألِفَ الوصل فبعضهم يخفض النون فيقول : مِنِ القوم ومِنِ ابنِك.
وحكى عن طَيِّئٍ وكَلْبٍ : اطلبوا مِنِ الرحمن ، وبعضهم يفتح النون عند اللام وألف الوصل ، فيقول مِنَ القوم ومِنَ ابنك ، قال : وأُرَاهُمْ إنما ذهبوا فى فتحها إلى الأصل ؛ لأن أصلها إنما هو مِنَا.
قال : فلما جُعِلَتْ أداةً حُذِفَتْ الألف وبقيت النون مفتوحة ، قال : وهى فى قُضَاعَةَ ، وأنشد الكسائى عن بعض قضاعة :
بَذلْنا مَارِنَ الخَطِىِّ فيهم |
|
وكُلَّ مُهَنَّدٍ ذَكَرٍ حُسَامِ |
مِنَا أَنْ ذَرَّ قَرْنُ الشَّمسِ حَتَّى |
|
أَغَاثَ شَرِيَدهُمْ فَنَنُ الظَّلَامِ(١) |
قال ابن جنى : قال الكسائى : أراد مِنْ ؛ وأصلها عندهم مِنَا ، واحتاج إليها فأظهرها على الصحة هنا.
قال ابن جنى : يحتمل عندى أن يكون مِنَا فِعَلا من مَنَى يَمْنِي إذا قَدَّرَ كقوله :
*حَتَّى تُلاقِى الذى يَمْنِى لَكَ المانِى* (٢)
أى : يُقَدِّرُ لك المُقدِّرُ ، فكأنه تقدير ذلك الوقت ومُوَازَنَتُه ، أى : من أول النهار لا يزيد ولا ينقص.
__________________
(١) البيتان لبعض قضاعة فى الدرر ٤ / ١٨١ ، ولسان العرب (منن) ، وبلا نسبة فى همع الهوامع ٢ / ٣٤.
(٢) شطر بيت لأبى قلابة الهذلى فى شرح أشعار الهذليين ص ٧١٣. صدره : *ولا تقولن لشيء سوف أفعله*.
ولسان العرب (منى) ، (منن) ، وتاج العروس (منى) وتهذيب اللغة ١٥ / ٥٣٠.