* والبَيْداءُ : الفَلاةُ : وقِيلَ : المَفازَةُ المُسْتَوِيَةُ تَجْرِى فيها الخَيْلُ ، ابنُ جِنِّى ، سُمِّيَتْ بذلِكَ لأَنَّها تُبِيدُ من يَحُلُّها ، والجَمْعُ : بِيدٌ ، كَسَّرُوه تَكْسِيرَ الصِّفاتِ ؛ لأنه فى الأصلِ صِفَةٌ ، ولو كَسَّرُوهُ تَكْسِيرَ الأَسْماءِ فقِيلَ : بَيْداواتٌ لكانَ قِياسًا.
فأمّا ما أَنْشَدَه أبو زَيْدٍ فى نَوادِرِه :
هَلْ تَعْرِفُ الدّارَ ببَيْدا إِنَّهْ |
|
دَارٌ للَيْلَى قَدْ تَعْفَّتْ إِنَّهْ (١) |
إنْ قالَ قائِلٌ : ما تَقُولُ فى قَوْلِه : « ببَيْد إنَّهْ » هَلْ يَجُوزُ أَنْ يكونَ صَرَفَ بَيْداءَ ضَرُورَةً ، فصارَتْ فى التَّقْدِيرِ ببَيْدَاءٍ ، ثم إنَّه شَدَّدَ التَّنْوِينَ ضَرُورَةً على حَدِّ التَّثْقِيلِ فى قَوْلِه :
*ضَخْمٌ يُحِبُّ الخُلُقَ الأَضْخَمَّا* (٢)
فلمّا ثَقَّلَ التَّنْوِينَ ، واجْتَمَعَ ساكِنانِ ، فَتَحَ الثّانِى من الحَرْفَيْنِ لالْتِقائِهما ، ثم أَلْحَقَ الهاءَ لِبَيانِ الحَرَكَةِ ، كإِلْحاقِها فى هُنَّهْ ، فالجَوابُ أَنَّ هذا غيرُ جائِزٍ فى القِياسِ ، وذلِكَ أَنّ هذا التَّثْقِيلَ إنَّما أصلُه أَنْ يُلْحَقَ فى الوَقْفِ ، ثم إنَّ الشُعَراءَ تُضْطَرُّ إلى إِجْراءِ الوَصْلِ مُجْرَى الوَقْفِ ، كما حَكاهُ سِيبَويْهِ من قولِهم ـ فى الضَّرُورَةِ ـ : سَبْسَبَّا ، وكَلْكَلَّا ، ونحوه ، فأَمّا إِذا كانَ الحَرْفُ مما لا يَثْبُتُ فى الوَقْفِ البَتَّةَ مُخَفَّفًا ، فهو من التَّثْقِيلِ فى الوَصْلِ أو فى الوَقْفِ أَبْعَدُ. أَلا تَرَى أَنَّ التَّنْوِينَ مما يَحْذِفُه الوقْفُ ، فلا يُوجَدُ فيه البَتَّةَ ، فإِذا لم يُوجَدْ فى الوَقْفِ أَصْلاً ، فلا سَبِيلَ إِلى تَثْقِيلِه ؛ لأَنَّه إذا انْتَفَى الأَصْلُ الَّذِى هو التَّخْفِيفُ هنا ، فالفَرْعُ الذى هو التَّثْقِيلُ أَشَدُّ انْتِفاءً.
وأَجازَ أَبو علِىٍّ فيها ثَلاثَةَ أَوْجُهٍ : أَحَدُها : أَن يَكُونَ أرادَ ببَيْداءَ ثم أَلْحَقَ إِنْ الخَفِيفَةَ ، وهى الَّتِى تَلْحَقُ الإنْكارَ ، نحو ما حَكاهُ سِيبَوَيْهِ من قولِ بَعْضِهِم : أَتَخْرُجُ إِن أَخْصَبَتِ البادِيَةُ؟ فقالَ : أَأَنا إِنِيهْ؟! مُنْكِرًا لرَأْيِه أَنْ يَكُونَ على خِلافِ أَنْ يَخْرُجَ ، كما تَقُولُ : أَلِمِثْلِي يُقالُ هذا؟ أَنا أَوَّلُ خارِجٍ إِلَيْها ، فكذلك هَذا الشّاعِرُ أرادَ : أَمِثْلِي يُعْرَفُ ما لا يُنْكِرُه؟ ثم إنَّه شَدَّد النُّونَ فى الوَقْفِ ، ثم أَطْلَقَها وبَقِىَ التَّثْقِيلُ بحالِه فيها على حَدِّ سَبْسَبَّا ، ثم أَلْحَقَ الهاءَ لِبَيانِ الحَرَكَةِ نحو : (كِتابِيَهْ) ، و (حِسابِيَهْ) ، و (اقْتَدِهْ).
__________________
(١) الرجز لرجل من الأشعريين يكنى أبا الخصيب فى النوادر فى اللغة ص ٥٩ ؛ وبلا نسبة فى لسان العرب (بيد).
(٢) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٨٣ ؛ ولسان العرب (ضخم) ؛ وتاج العروس (ضخم).