لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢).
( بيان )
في الآيات كرة بعد كرة بآيات التدبير الدالة على ربوبيته تعالى مقرونة بالإنذار والتخويف أعني قوله : « هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً » الآية ، وقوله : « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ » الآية بعد قوله : « الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ » الآية ، وقوله : « الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ » الآية ، وقوله : « وَلَقَدْ زَيَّنَّا » الآية.
قوله تعالى : « هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ » الذلول من المراكب ما يسهل ركوبه من غير أن يضطرب ويجمح والمناكب جمع منكب وهو مجتمع ما بين العضد والكتف وأستعير لسطح الأرض ، قال الراغب : واستعارته للأرض كاستعارة الظهر لها في قوله : « ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ » وتسمية الأرض ذلولا وجعل ظهورها مناكب لها يستقر عليها ويمشي فيها باعتبار انقيادها لأنواع التصرفات الإنسانية من غير امتناع ، وقد وجه كونها ذلولا ذا مناكب بوجوه مختلفة تؤول جميعها إلى ما ذكرنا.
والأمر في قوله : « وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ » للإباحة والنشور والنشر إحياء الميت بعد موته وأصله من نشر الصحيفة والثوب إذا بسطهما بعد طيهما.
والمعنى : هو الذي جعل الأرض مطاوعة منقادة لكم يمكنكم أن تستقروا على ظهورها وتمشوا فيها تأكلون من رزقه الذي قدره لكم بأنواع الطلب والتصرف فيها.
وقوله : « وَإِلَيْهِ النُّشُورُ » أي ويرجع إليه نشر الأموات بإخراجهم من الأرض وإحيائهم للحساب والجزاء ، واختصاص رجوع النشر به كناية عن اختصاص الحكم بالنشور به والإحياء يوم القيامة فهو ربكم المدبر لأمر حياتكم الدنيا بالإقرار على الأرض والهداية إلى مآرب الحياة ، وله الحكم بالنشور للحساب والجزاء.
وفي عد الأرض ذلولا والبشر على مناكبها تلويح ظاهر إلى ما أدت إليه الأبحاث العلمية