والمعنى : فكان البعد قدر قوسين أو قدر ذراعين أو أقرب من ذلك.
وقيل : القاب ما بين مقبض القوس وسيتها ففي الكلام قلب والمعنى : فكان قابي قوس ، واعترض عليه بأن قابي قوس وقاب قوسين واحد فلا موجب للقلب.
قوله تعالى : « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى » ضمير أوحى في الموضعين لجبريل على تقدير رجوع الضمائر السابقة إلى جبريل ، والمعنى : فأوحى جبريل إلى عبد الله وهو النبي صلىاللهعليهوآله ما أوحى ، قيل : ولا ضير في رجوع الضمير إليه تعالى من عدم سبق الذكر لكونه في غاية الوضوح. أو الضمائر الثلاث لله والمعنى : فأوحى الله بتوسط جبريل إلى عبده ما أوحى أو الضمير الأول لجبريل والثاني والثالث لله والمعنى فأوحى جبريل ما أوحى الله إليه إلى عبد الله.
والضمائر الثلاث كلها لله على تقدير رجوع الضمائر السابقة إلى النبي صلىاللهعليهوآله والمعنى : فأوحى الله إلى عبده ما أوحى ، وهذا المعنى أقرب إلى الذهن من المعنى السابق الذي لا يرتضيه الذوق السليم وإن كان صحيحا.
قوله تعالى : « ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى » الكذب خلاف الصدق يقال : كذب فلان في حديثه ، ويقال : كذبه الحديث بالتعدي إلى مفعولين أي حدثه كذبا ، والكذب كما يطلق على القول والحديث الذي يلفظه اللسان كذلك يطلق على خطاء القوة المدركة يقال : كذبته عينه أي أخطأت في رؤيتها.
ونفي الكذب عن الفؤاد إنما هو بهذا المعنى سواء أخذ الكذب لازما والتقدير ما كذب الفؤاد فيما رأى أو متعديا إلى مفعولين ، والتقدير ما كذب الفؤاد ـ فؤاد النبي ـ النبي ما رآه أي إن رؤية فؤاده فيما رآه رؤية صادقة.
وعلى هذا فالمراد بالفؤاد فؤاد النبي صلىاللهعليهوآله ، وضمير الفاعل في « ما رَأى » راجع إلى الفؤاد والرؤية رؤيته.
ولا بدع في نسبة الرؤية وهي مشاهدة العيان إلى الفؤاد فإن للإنسان نوعا من الإدراك الشهودي وراء الإدراك بإحدى الحواس الظاهرة والتخيل والتفكر بالقوى الباطنة كما إننا نشاهد من أنفسنا أننا نرى وليست هذه المشاهدة العيانية إبصارا بالبصر ولا معلوما بفكر ، وكذا نرى من أنفسنا أننا نسمع ونشم ونذوق ونلمس ونشاهد أننا