فقوله : « أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ » الاستفهام للإنكار ، والالتفات إلى الغيبة في قوله : « رَحْمَتَ رَبِّكَ » ولم يقل : رحمتنا ، للدلالة على اختصاص النبي صلىاللهعليهوآله بعناية الربوبية في النبوة.
والمعنى : أنهم لا يملكون النبوة التي هي رحمة لله خاصة به حتى يمنعوك منها ويعطوها لمن هووا.
وقوله : « نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » بيان لوجه الإنكار في الجملة السابقة بأنهم عاجزون عن قسمة ما هو دون النبوة بمراحل ولا منزلة له وهو معيشتهم في الحياة الدنيا فنحن قسمناها بينهم فكيف يقسمون ما هو أرفع منزلة منها بما لا يقدر قدره وهو النبوة التي هي رحمة ربك الخاصة به.
والدليل على أن الأرزاق والمعايش ليست بيد الإنسان اختلاف أفراده بالغنى والفقر والعافية والصحة وفي الأولاد وسائر ما يعد من الرزق ، وكل يريد أن يقتني منها ما لا مزيد عليه ، ولا يكاد يتيسر لأحد منهم جميع ما يتمناه ويرتضيه فلو كان ذلك بيد الإنسان لم يوجد معدم فقير في شيء منها بل لم يختلف اثنان فيها فاختلافهم فيها أوضح دليل على أن الرزق مقسوم بمشية من الله دون الإنسان.
على أن الإرادة والعمل من الإنسان بعض الأسباب الناقصة لحصول المطلوب الذي هو الرزق ووراءهما أسباب كونية لا تحصى خارجة عن مقدرة الإنسان لا يحصل المطلوب إلا بحصولها جميعا واجتماعها عليه وليست إلا بيد الله الذي إليه تنتهي الأسباب.
هذا كله في المال وأما الجاه فهو أيضا مقسوم من عند الله فإنه يتوقف على صفات خاصة بها ترتفع درجات الإنسان في المجتمع فيتمكن من تسخير من هو دونه كالفطنة والدهاء والشجاعة وعلو الهمة وأحكام العزيمة وكثرة المال والعشيرة وشيء من ذلك لا يتم إلا بصنع من الله سبحانه ، وذلك قوله : « وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ».
فيتبين بمجموع القولين أعني قوله : « نَحْنُ قَسَمْنا » إلخ ، وقوله : « وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ » إلخ ، إن القاسم للمعيشة والجاه بين الناس هو الله سبحانه لا غير ، وقوله : « وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ » أي النبوة خير من المال فكيف يملكون قسمها وهم لا يملكون قسم المال فيما بينهم.